قصص اسلامية

قصة رقية رضي الله عنها

ADVERTISEMENT

لم تكن السيدة رقيّة تتخيل يومًا أن أم زوجها سوف تُذكر في القرآن ، لأنها عندما كانت تعيش في كنفها لم يكن القرآن قد ظهر بعد ، أم زوجها هي زوجة أبي لهب وتُعرف باسم حمّالة الحطب.

عندما زار وفد من آل عبد المطلب بيت الرسول صلّ الله عليه وسلم ، لطلب يد ابنتيه رقيّة وأم كلثوم ، لكل من عتبة وعُتيبة ابني عمهما أبي لهب ، انقبض فردان من أهل البيت الكريم ، أولهما الشقيقة الصغرى فاطمة التي خافت أن تعيش وحيدة بلا شقيقتها رقيّة ، فهي أيضًا صديقتها الحنون.

أمام السيدة خديجة رضي الله عنها فلم ترى عرض الزواج سوى أن أم جميل بنت حرب ستكون حماة ابنتيها ، فهي كانت على علم بقسوتها وحدة لسانها وسواد قلبها ، على زوجها وابنيها.

ذاقت السيدة رقية الأمرّين في بيت أم جميل ، كانت ترصد حركاتها وتعد عليها لقيماتها وتحاسبها إن ردت أو صمتت ، وكلما رأت في رقيّة ملمحًا من عظمة ورُقيّ وصفاء السيدة خديجة ، كانت تجن وتستعر نار القسوة في قلبها.

وظلت رقية تفكر في الشكوى لأبيها ما تلاقيه من سوء معاملة في بيت زوجها ، إلا أنها خشيت أن يحزنهما ما تلقاه ، إلى أن أعلن النبي رسالته على الملأ فبدأت الحرب مستهدفة بناته ، فقالت قريش رُدوا عليه بناته ، وصاحت أم زوجها أنها ستزوج ابنها من أي امرأة شاء ابنها ، فتم الطلاق وصارت عائلة أبي لهب هم الأشد عداوة للرسول آنذاك.

وكّل الرسول عليه الصلاة والسلام ، أمر ابنته إلى خالقه فرزقها المولى عزوجل بسيدنا عثمان بن عفان ليتزوجها وهو ذو حسب ونسب وتجارة ومال ، ولكن لم تدم السعادة طويلاً حيث اشتدت الحرب على الإسلام واختصت سيدنا عثمان بمقاطعة أهله وتجارته وعشيرته.

وكانت بنات النبي جميعًا قد اعتنقن الإسلام ، ولكن عندما هاجر المسلمون إلى الحبشة اختص النبي عليه الصلاة والسلام بالقرار رقية وزوجها ، دعا النبيّ المولى عزوجل أن يعز الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو عمر بن الخطاب ، وكان النبي أكثر ميلاً لعمر بينما كان عمر يتيه قسوة وغلظة ، ولم ينج أحد ممن أسلموا حوله من قبضته.

وذات يوم استيقظ عمر على خبر مفاده أن ابن عم الرسول قد صفع أبا جهل خال عمر ، فلم يكن أمام عمر مفرًا من قتل الرسول حتى يتخلص من تلك الفرقة التي أحدثتها دعوته داخل قريش ، فاستل سيفه واتجه إلى دار الأرقم لينهي حياة الرسول بيديه ويغلق ملف الإسلام كاملاً.

أراد المولى عز وجل أن يرق قلب عمر أولاً حتى تنقشع عنه الغمامة ويهتدي للإسلام ، لذا فعند سعيه تجاه دار الأرقم حيث يجلس الرسول ، فإذا به يقابل رجلاً فسأله عن وجهته فقال له عمر ، فقال له الرجل انظر إلى بيتك أولاً ، وكان سر هذه الكلمة هو أن فاطمة أخت سيدنا عمر كانت قد أسلمت هي وزوجها ، وكان في هذا الوقت خباب بن الأرت يجلس بينهما يعلّمهما القرآن ، فاغتاظ عمر عندما ذهب إليهم فقد علم أنه الآن في بيت مسلم بأكمله.

وقفت فاطمة تدافع عن زوجها وأخيها عندما هجم عمر عليه يريد الفتك به ، فما كان منه إلا أن لطمها بيده فسالت الدماء على فهما ، هنا رق قلب عمر فهو بالأساس شاعر وحكيم رغم قسوته البادية للجميع ، في تلك اللحظة وقع بصر عمر على آيات الله في كتابه الكريم ، فأراد أن يقرئه فمنعته أخته أنه لا يمسّه إلا المطهّرون ، فتوضأ عمر وقرأ سورة طه فلان قلبه تمامًا آنذاك.

ولولا أن مرّ عمر بمنزل شقيقته أولاً ما كان قلبه لان للإسلام ، فما أن خرج من عند النبي عليه الصلاة والسلام ، حتى كانت دعوة النبي قد استجيب كاملة ، فانطلق عمر صوب خاله أبي جهل وأعلن إسلامه ، فكانت صدمة مدوية لأبي جهل نفسه ، روى عثمان بن عفان لزوجته رقيّة أنه كان يحبها منذ أمد بعيد ، وعندما علم بزيجتها من بيت أبي لهب انقبض وكان يومًا عسيرًا عليه ، إلى أن أخبرته عرّافه بأنه سيتزوج من رقيّة .

بدأت الحياة تبتسم لرقية بقدوم ابنها عبدالله ، وشعرت بأن الله عوضها به عن آلام الهجرة وفقدان الأم ، ولكنها سعادة لم تدم طويلاً فقد استيقظت ذات ليلة على صراخ ابنها عبدالله وهو يخر صريعًا ، عقب أن نقره ديكًا في عينيه ووجهه وصفاه من الدماء فمات.

سقطت رقيّة طريحة الفراش ، وكان ذلك إبان غزوة بدر فطلب عثمان من الرسول أن يبق إلى جوار زوجته وشجعه النبي على ذلك ، لم تكتمل فرحة النبي بالانتصار في بدر ، وذهب إلى منزل رقيّة ليجد الحزن يخيم عليه ، فطلب من فاطمة ابنته أن تقوده إلى قبر رقيّة ، وذهب كليهما إلى القبر وظلا يبكيانها بدموع حارقة لا يدري أحد كم استمرت من الوقت.

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby