قصص تاريخية

قصه الوباء الغامض الذي أثار رعب ملك إنجلترا

ADVERTISEMENT

كان ملك إنجلترا هنري الثامن ينام في سرير مختلف كل ليلة خلال عام 1528م ، وذلك ليس لكونه لديه عشيقة أو سيدة أخرى غير زوجته آن بولين ، ولكن الخوف من المرض هو الذي دفعه إلى التحرك بشكل شبه يومي وعدم الاستقرار في مكان واحد ، خلال صيف ذلك العام ، فقد كان الملك مرعوبًا من مرض التعرق ، وهو وباء قاتل لكنه يكاد يكون منسيًا اليوم .

وما زال بعض العلماء مندهشين من هذا المرض الغامض ، الذي اجتاح أوروبا عدة مرات خلال فترة تيودور ، وابتداءً من عام 1485م انتشرت خمس أوبئة من إنجلترا وألمانيا ودول أوروبية أخرى ، لكن أصل الوباء وحتى هوية المرض ما زالت غامضة حتى الآن .

لقد كان هناك سبب وجيه لكون الملك هنري خائفًا من مرض التعرق ، فقد جاء المرض دون أي تحذير وكان لا يبدو أنه يمكن الوقاية منه ، وكانت أعراضه تتلخص في شعور الشخص بفزع مفاجئ ، ثم يزداد عليه الصداع وآلام الرقبة والضعف ، والعرق البارد الذي يغطي الجسم كله ويتبع ذلك الحمى وخفقان القلب والجفاف .

وفي غضون ثلاث إلى 18 ساعة ، كان ما بين 30 إلى 50 في المائة من الأشخاص المصابين بهذا المرض قد ماتوا ، ومن غير الواضح من الذي أصيب بمرض التعرق أولاً ، لكن بعض المؤرخين يعتقدون أنه تم جلبه إلى إنجلترا من قبل المرتزقة الذين وظفهم والد هنري للاستيلاء على عرش إنجلترا له ولولده وانتهت الخطوة المثيرة للجدل بـ “حرب الورود” في عام 1485م .

ولكن دارت التساؤلات حول المطالبة الشرعية لهنري السابع بالعرش ، وما إذا كان الجنود الأجانب الذين استوردهم إلى إنجلترا للقتال نيابة عنه ، قد تسببوا في مرض التعرق الغريب والمميت ، ويستمر التعجب إلى يومنا هذا من طريقة ظهور هذا المرض النادر ، وبغض النظر عمن أصيب به أولاً ، فسرعان ما أصبح مرض التعرّق وباءً إقليميًا .

لقد كتب ريتشارد جرافتون العامل بمطبعة الملك “كان هذا نوعًا جديدًا من المرض ، وهو ما كان مؤلماً ومؤلماً للغاية لدرجة أن مثله لم يسمع به أبدًا”، فقد نجت إنجلترا بالفعل من وباء التاريخ الأكبر بين عامي 1346م و1353م والذي قضى فيه الموت الأسود ؛ وهو موجة غير مسبوقة من الطاعون الدبلي على ما يقرب من 60 في المائة من سكان العالم وقتل أكثر من 20 مليون شخص في أوروبا وحدها .

ولكن لا يبدو أن مرض التعرق هذا مرتبط بذلك الوباء ، حيث لا تظهر على المصاب بالتعرق أي أعراض جلدية ، ولقد برزت الإصابات عشوائيًا وفي أماكن مختلفة ، ودائمًا كانت تظهر بعد فترة من الأمطار الموسمية أو الفيضانات ، وعادة ما تكون في الأغنياء أو الفقراء جدًا .

وفي وقت ما قبل الطب الحديث ، لم يكن لدى الناس أي وسيلة لمعرفة ما إذا كان مرض التعرق سيجتاح الدولة ، أو كيف سينتشر وهذا لم يمنع الأطباء من محاولة اكتشاف ذلك ، فعلى الرغم من  انتشار هذا الوباء ، إلا أنه تسبب في شهرة كبيره لرجل يدعى جون كايس حيث رأى هذا المرض كفرصة ، خاصة لأنه بدا وكأنه يضرب النبلاء الأغنياء الذي يمكنه الاستفادة منهم .

ومنح ذلك الرجل نفسه اللقب الأكثر إثارة للإعجاب ، وهو جوهانوس كايوس ثم بدأ في علاج الإنجليز الأثرياء الذين هم مثل ملكهم ، كانوا مصابين بجنون العظمة من المرض ، واكتشف كايوس طريقة أخرى للربح من مرض التعرق ، وهي الكتابة عن المرض في عام 1552م ، حيث نشر نصائحه لعلاج المرض .

ويعتبر هذا الآن من الطب الكلاسيكي حيث يضع الطبيب ملاحظاته من أعراض المرض ،  ويذكر الوقاية والعلاج وكان كايوس يعكس المعرفة الطبية في وقته ، حيث نصح الناس لتجنب الضباب والفواكه المتعفنة وممارسة الرياضة بشكل متكرر ، أما الذين أصيبوا بالمرض فقد أوصى لهم بشرب الخلطات العشبية .

ولم تكن نصائحه ناجحة ولكن على الرغم من أن معظم مرضى كايوس كانوا لا يزالون في عداد الموتى ، إلا إنه في نهاية المطاف كان غنيًا بما يكفي ليقدم هبة رائعة لمعهد كامبردج القديم ، وقد كتب عنه الباحث الطبي الحيوي ديريك جاثيرر ، وقال أن الكلية في جامعة كامبريدج لا تزال  تحمل اسم كايوس حتى اليوم .

ولم يتمكن كايوس وغيره من الأطباء من شرح المرض أو إيقافه ، ولكن ظلت العائلة المالكة تتوافد على الأطباء للمساعدة في التحدث عن تأثير  تلك الأوبئة ، وطوال فترة حكم هنري الثامن بقي هنري خائفًا من ذلك ، خاصةً حينما تعرض بعض أعضاء المحكمة للمرض ، بمن فيهم مستشار هنري الكاردينال وولسي ، الذي نجا من نوبات متعددة من التعرق ، ويشتبه في أن أرثر أخو الملك هنري قد مات بسببها .

والغريب أن هذا المرض قد توقف بسرعة كما بدأ ، ولقد كان هو الوباء الأخير في عام 1552م ، وبعد حوالي 150 عامًا ظهر نوع أخر اسمه “بيكاردي سويت” في فرنسا ، ولكن لم يعاود الظهور في صورة سلالة جديدة منه ، وهذا يجعل من الصعب على العلماء والمؤرخين في العصر الحديث أن يدرسوه .

حيث يجب أن تعتمد المعلومات على حسابات الوقت ومعلومات الصحة العامة البدائية ، لإعادة بناء المعرفه بالأوبئة وعلى الرغم من أن الآلاف قد ماتوا بشكل عام ، إلا إن الرقم الدقيق غير مؤكد بسبب حفظ السجلات المتقطعة والبيانات المفقودة ؛ ويعتقد بعض العلماء أن هذا هو نوع من فيروس هانتا وهو مرض نادر جدًا .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby