قصص تاريخية

قصة مجزرة جونز تاون | قصص

ADVERTISEMENT

شهدت فترتيّ الستينات ، والسبعينات ظهور العديد من الحركات والتيارات الفكرية ، التي تدعُ إلى التحرر ، وكان من بين تلك الطوائف ، طائفة دينية تُدعى كنيسة الشعب ، أسسها شخص يُدعى جيم جونز ، هذا الرجل الذي غرق كثيرًا في معتقدات الشيوعية ، التي آمن بها بشكلٍ تام .

حيث لا فارق بين الأشخاص في العرق أو أو الديانة ، أو المستوى الاجتماعي ، كلنا واحد ، ومتساوون في كافة الأشياء ، ولا يسعنا سوى العمل من أجل المصلحة العامة ، وإيثار الغير على أنفسنا .

أدت تلك الأفكار الداعية للتحرر من كل شيء ، حتى الديانة ، إلى ظهور العشرات من تلك الطوائف الدينية ، التي تبناها شباب ومراهقون ، ينتمون لطبقات وسطى ومتعلمون بشكل متوسط ، ولكنهم كطبيعة لتلك السن يعانون من الفراغ العاطفي ، والروحي الذي يمكنهم من السيطرة على الانفعالات الغريبة ، والأفكار الدسيسة عليهم .

ولكن ، مع شديد الأسف ، انخرط بين تلك الطوائف وهؤلاء الشباب  ، الدجالين والمحتالين ، وحرصوا على استقطاب العديد من التابعين من هؤلاء الشباب الفارغ داخليًا.

وكان جيم جونز أحد أولئك المستغلون ، حيث اندمج في تلك الأفكار وروّج لأفكاره ، من خلال دخوله لجماعة تُدعى الخمسينية ؛ والتي تكونت من عدد من الأعضاء ، كلهم من الرنوج الكادحين ، وعدد قليل منهم من ذوي البشرة البيضاء ، ولكن من كبار السن المتقاعدين ، وعدد نادر من المثقفين ذووا التعليم العالي .

وقد لاقت أفكار جونز المسمومة طريقها بين أفراد تلك الجامعة ، وانطلق كالسهم المسموم بينهم ، يستقطب المزيد من الأتباع ، وجدير بالذكر ، أنه في ذلك الوقت ، كانت أمريكا تعاني بشدة من الخلافات العنصرية ، ونبذ الزنوج ، وهنا تدخل جونز بأفكاره داعيًا للسلام والوحدة بين كل من ؛ ذوورا البشرة البيضاء ، وذووا البشرة السوداء ، كل ذلك في الوقت الذي دعا فيه الرئيس الأمريكي آنذاك بفصل الزنوج عن البيض داخل المدارس ، والجامعات والأحياء السكنية ، بل والحانات أيضًا .

في ذلك الوقت ، ظهر جونز مثل المخلّص والحمل الوديع ، بأفكاره الداعية للسلام ظاهريًا ، وكان قد ساعد العديد من أتباعه في الحصول على عمل ، أو منزل وخلافه ، ثم يطلب منهم الانصياع التام لأوامره دون مخالفة منهم أو اعتراض.

العسل المسموم ..
في عام 1965م ، انتقى جونز مائة شخصًا من أتباعه ، وانتقل بهم إلى شمال ولاية كاليفورنيا ، ثم بدأت هذه الجماعة في التكاثر والتزايد ، وقاموا ببناء مكانًا أشبه بالمعبد ، كانوا يمارسون فيه طقوسًا غريبة .

ما أتت سوى ما رأس جونز ، والذي كان ظاهريًا يدعُ للسلام ، والرفق مع الآخر ، ولكنه كان شخصًا مضطربًا عقليًا ، فقد كان يدّعي أنه المسيح تارة ، وفي أواخر عهده كان يذكر بأنه الله –حاشا لله- وقد نزل على الأرض في هيئة بشر من أجلهم!

صار جونز طيلة هذا الوقت ، يرّوج لأفكاره ، ويدّعي أنه قد تنبأ بحدوث حروب أهلية ، نتيجة عدم تمسك الأخرين بتعاليمه ، التي ادعى أنها نبوءات ، وكذلك حدوث طوفان سوف يأتي على الأخضر واليابس ، وأن من ينجُ من كل ذلك لن يكون سوى أتباعه المطيعين .

ومع تداول الجماعة لأفكاره ، انتقلوا جميعًا إلى غابة معزولة في أمريكا الجنوبية ، وأطلقوا عليها جونز تاون ، وأقاموا بها من أجل ممارسة تعاليم الأب الروحيّ لهم ، جيم جونز ، كانت تلك المدينة ملاذًا آمنًا ، كما اعتقد كل من أراد العيش في المدينة الفاضلة ، ولكن الواقع لم يكن كذلك ، فقد كانت الأماكن قليلة وضيقة للغاية .

ويتم الفصل بين الجنسين ، ونظرًا لضيق المكان والرطوبة والحياة غير الآدمية ، انتشرت الإصابات بالأمراض الخطيرة والمعدية فيما بينهم ، وكان من أراد الخروج من تلك البقعة المنعزلة لا يستطيع ، نظرًا لأن الغابة لا نهاية لها ، ومن يذهب للحصول على إذن جونز للخروج ، لم يكن يتلقيّ سوى الإهانة فهو يعتبرهم عبيدًا له ، ولا يجوز لهم سوى خدمته وطاعته ، طاعة عمياء .

وصلت أخبار تلك المدينة إلى نائب الكونجرس الأمريكي ، الذي قرر زيارتها مصطحبًا معه عددًا من الصحفيين ، وبعض أهالي الفارين إلى هذا المكان. في البداية ظهر الوضع وكأنه عاديًا ، إلا أن أحد الصحفيون تلقّى ورقة بها عدد من أسماء من أرادوا الخروج .

ولكنهم تخفّوا خوفًا من زعيمهم ، فأبلغ الصحفي السيناتور الذي أعلن أنه سوف يحمل معه من أراد منهم الخروج ، فلم يخرج سوى قلة ، وفي الطريق هجم أحدهم ليقتل السيناتور ولكنه فشل ، وسقط من السيارة أثناء سيرها ، وفي المطار كانت كافة الطائرات قد غادرت ، فانتظر السيناتور ، وهنا توقفت عربة دفع رباعي أمامهم ، وقُتل السيناتور وخمسة آخرون .

عقب تلك الأحداث ، أعلن جونز أن العساكر سوف يأتون لهم ليدمروهم ، ودعاهم جميعًا للتخلص من حياتهم بدلاً من التعذيب ، فما لبثوا أن حقنوا صغارهم بمادة السيانيد السامة ، ثم الأمهات بنفس الطريقة ، ومن يفكر منهم في الهرب تقتله الأسلحة.

في ذلك اليوم من عام 1978م ، انتحر حواليّ تسعمائة وثمانية عشر شخصًا ، بالسم ، وقتل جيم جونز نفسه بطلقة رصاص ، ولم ينجُ سوى قلة قليلة ، هم من رووا تلك الأحداث وتفاصيلها المؤلمة. حيث ترسخت تلك الأحداث وبقيت في ذاكرة العقل البشري والتاريخ أيضًا.

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby