قصص تاريخية

قصة المعتمد بن عباد | قصص

ADVERTISEMENT

إن الله تعالى وحده يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك عمن يشاء، وفي التاريخ قد لا تجد قصة تعبر عن تبديل المولى عز وجل على لأحوال عباده من  العز إلى الذل ومن السلطان والغنى إلى الفقر أكثر من قصة المعتمد بن عباد والذي كان أحد ملوك الطوائف في الأندلس والذي وجد نفسه بعد أن كان ملك على إشبيلية رجل غريب في بلاد غريبة يقاسي من الفقر والسجن والضعف ما لم يكن يتخيله.

اسمه هو أبو القاسم المعتمد على الله محمد بن عباد ولد عام 431 هجرية في مدينة باجة، وقد حكم جده إشبيلية لفترة ثم خلفه ابنه المعتضد بن عبادة والد المعتمد، وقد أراد المعتضد أن يدرب ابنه على الحكم منذ صغره فولاه مدينة أونبة وهو مازال في الثانية عشر من عمره.

ثم ولاه والده على جيش تم إرساله لحصار مدينة شلب، وخلال قيادته لهذا الجيش تعرف على الشاعر بن عمار والذي أصبح صديقه ورفيقه ومن أقرب الرجال إليه وكان له دورًا كبيرًا في إدارة دولته حتى أنه عينه وزيرًا له بعد أن استولى على شلب، وكان يأخذه معه في جميع أسفار هو رحلاته.

وقد اشتعر بن عباد أيضًا بأنه كان يحب زوجته اعتماد الرمكية والتي كانت جارية لرميك بن الحجاج، وقد أعجب بجمالها وقدرتها على إلقاء الشعر، فقد كان بن عباد يسير مع وزيره في أحد الأيام، فألقى عليه بيت من الشعر يقول ” صنع الريح من الماء زرد”، وكان ينتظر أن يكمل البيت لكن قريحة بن عمار لم تسعفه فسكت وكانت الرمكية تغتسل في النهر فسمعته فقالت” أي درع لقتال لو جمد”.

فقام بن عباد بشرائها من سيدها وأعتقها وتزوجها، لكن كان لهذا الزواج وعلاقته بابن عمار شأن كبير في نهاية حكمه، حيث انغمس في حياة الملذات وكان ينفق الكثير من الأموال لتحقيق رغبات الرمكية.

وقد انتشر الكلام عن حياة بن المعتمد في جميع أنحاء الأندلس حتى وصل لمسامع أبيه المعتضد فأمر بنفي بن عمار إلى شمال الأندلس وظل في منفاه حتى توف المعتضد وترك لابنه إمارة قوية، وكان حينها في الثلاثين من عمره، وقد أعاد بن  عمار من منفاه وعينه كبير وزرائه في إشبيلية، وقد كانت مملكته أعظم مملكة في ممالك الطوائف وقد شيد الكثير من القصور وانتشرت الحدائق الرائعة في إشبيلية.

وظل ابن عمار رجل الدولة الأول في دولة المعتمد حتى وقع خلاف كبير بينهما، لأن المعتمد شعر أن بن عمار بدأ يعلي نفسه ويتجاهل أوامره ، فكتب المعتمد شعرًا يهجو فيه بن عمار، فرد عليه بن عمار بشعر شتمه فيه هو وزوجته وأبنائه، وبالرغم من أن بن عمار قد ندم على كتابته وقام بحرق ما كتبه، إلا أن رجلًا ممن حضروا ذلك قام بإرساله إلى المعتمد الذي غضب بشدة.

وقد ازداد الخلاف بينهما بعد أن فر بن عمار من مرسية بعد أن ثار الجنود هناك عليه، فاحتمى بحاكم سرقسطة الذي حرضه على غزو أحد حصون مرسية والتي كانت تابعة للمعتمد، وقد فشل بن عمار في ذلك وتم أسره وعرض للبيع فاشتراه المعتمد وحبسه.

وقد استعطفه المعتمد كثيرًا بقصائده وطلب الوساطة من أشخاص يعرفهم، وقد نوى المعتمد أن يعفو عنه بالفعل، ففرح بن عمار بهذا الخبر وأرسل خطاب لابنه يخبره بأنه سيخرج قريبًا، ويقول المؤرخون أن ابنه قد أشاع أنه سيعود للاستيلاء على إمارة المعتمد، ولما وصلت الأخبار للمعتمد قتله بفأس في محبسه.

وقد كان بن عباد قد اتخذ نهج أبيه وجده حيث حالف ألفونسو السادس ملك قشتالة على حساب إخوانه من المسلمين حكام أقاليم الأندلس الأخرى ليحقق أطماعه في الاستيلاء على المدن الأخرى التابعة لملوك الطوائف، وقد كان يدفع له الجزية.

وقد أدى ذلك لسقوط طليطلة  في يد ألفونسو بعد حصار قصير بسبب السياسة المتخاذلة لملوك الطواف وصراعاتهم وتحالفهم مع الممالك النصرانية.

وقد كان سقوط طليطلة حدثًا مدويًا في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وقد أدرك المعتمد أنه كان من أشد ملوك الطوائف مسئولية عما حدث، حيث كان بإمكانه أن يرسل جيشًا لإنقاذ طليطلة لكنه لم يفعل.

وقد أرسل المعتمد لألفونسو يطلب منه عدم التقدم أكثر في بلاد المسلمين بالأندلس وإلا سينتهي العهد الذي بينهما، لكن ألفونسو لم يعره اهتمامًا، وعزم على الاتجاه نحو مملكة المعتمد، فلم يكن أمام المعتمد بن عباد إلا أن يستنجد بملوك المرابطين المسلمين بالمغرب.

ولم يكن ذلك أمرًا سهلًا على بن عباد، كما أن رجاله وحاشيته قد عارضوه كثيرًا في فعل ذلك لأنه يخاطر بعرشه وملكه، لكنه قال لهم جملة اشتهرت بعد ذلك” تالله إني لأوثر رعي الجمال لسلطان مراكش على أن أصبح تابع لملك النصارى وأن أؤدي له الجزية، إن رعي الجمال خيرًا من رعي الخنازير”.

وبالفعل كتب رسالة استغاثة ووقع عليها ثلاثة عشر أميرًا من أمراء مدن الأندلس، وقد أرسل إليهم يوسف بن تاشفين رجاله فترك لهم المعتمد الجزيرة الخضراء ولما لامه ابنه قال له ” يا بني هذا قليل في حق نصرة الإسلام” ، ووقع بين رجال بن تاشفين ومعه رجال المعتمد وبين ألفونسو السادس موقعة الزلاقة والتي انهزم فيها ألفونسو وخسر معظم رجاله.

وقد عاد بن تاشفين مرة أخرى للأندلس لنجدة مدن الشرق الأندلسي، لكن ما كان من ملوك الطوائف  بعد أن آمنوا على أنفسهم إلا أن تحالفوا مع ملوك النصارى مرة أخرى.

فاستفتى بن تاشفين في أمرهم الإمام أبي حامد الغزالي وعدد من الفقهاء الآخرين، وقرر بعد ذلك أن يضم ممالك ملوك الطوائف لدولة المرابطين بقوة، وقد أرسل جيشه ليطلب منهم الرحيل فإن لم يفعلوا فليحاصرهم وليقاتلهم، وكانت طريف هي أول مدن المعتمد التي سقطت في يد بن تاشفين، وقد سلمها أهلها له وقتل واليها الفتح بن المعتمد.

أيضًا استولى بن تاشفين على رنة وقتل الراضي بن المعتمد أيضًا، وتوالى السقوط حتى تمت محاصرة المعتمد، وقد اندلعت ضده ثورة من أهل إشبيلية وهو محاصر، وقد شعر باليأس فاستنجد بألفونسو الذي أرسل إليه جيشًا كبيرًا لكنه انهزم على يد المرابطين.

وفي النهاية سقطت إشبيلية في يد المرابطين وقتل أربعة من أبناء المعركة، أما المعتمد ومن تبقى من أبنائه فقد أخذوا أسرى إلى المغرب حيث تقرر نفيهم إلى طنجة، لكنه نقل إلى مكناسة ثم إلى أغمات حيث عاش هناك فقيرًا وعانى من ظروف الأسر السيئة والمعاملة السيئة.

وما زاد موقفه عن ملوك الطوائف الآخرين الذين أسرهم بن تاشفين أن ابنه عبدالجبار حاول شن ثورة على المرابطين مرة أخرى، وقد كتب بن عباد أشعارًا يعبر بها عن محنته في تلك الفترة.

وقد عانى من المرض والكرب بسبب ما أصابه، وقد عادت اعتماد الرمكية لحياة الفقر وأصبحت بناتها تغزلن وتبعن في السوق، فذبل جمال الرمكية وتوفت بعد أربع سنوات من الأسر، وقد حزن عليها المعتمد حزنًا كبيرًا عليها، وتوفي بعدها بعدة شهور ودفن في أغمات عن عمر ستة وخمسين عامًا.

وقد أثار سوء معاملته من قبل المرابطين انتقادات المؤرخين ليوسف بن تاشفين وجذبت إليه تعاطف الكثير من الشعراء والآدباء، وأصبح قبر المعتمد بن عباد مزارًا بالمدينة وقدوضع عليه شاهد من الرخام نقش عليه شعره الشهير:

قبر الغريب سقاك الرايح الغادي   حقًا ظفرت بأشلاء بن عباد

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby