قصص تاريخية

قصة قبيلة جرهم | قصص

ADVERTISEMENT

جاء سيل فدخل البيت الحرام فانهدم ، فأعادته جرهم على بناء إبراهيم ، ثم استخفت جرهم بحق البيت ، وارتكبوا فيه أمورًا عظامًا ، وأحدثوا فيه احداثُا قبيحة ، وكانت للبيت بئر في بطنه ، يلقي فيها المتاع الذي يهدي له ، وهو يومئذ لا سقف عليه ، فتواعد خمسة من جرهم أن يسرقوا كل ما فيه.

حق الحرم وحرمة بيت الله :
فقام على كل زواية من البيت رجل منهم ، واقتحم الخامس ، فجعل الله عز وجل ، أعلاه أسفله ، وسقط منسكا فهلك ، وفر الأربعة الآخرون ، فلما كثر بغى جرهم بمكة قام فيهم مضاض بن عمر ، وقال : يا قوم ، احذروا البغي فإنه لا بقاء لأهله ، وقد رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم ، ولم يعظوه ، وتنازعوا بينهم ، واختلفوا حتى سلطكم الله عليهم فاجتحتموهم ، فتفرقوا في البلاد ، فلا تستخفوا بحق الحرم وحرمة بيت الله.

ولا تظلموا من دخله ، وجاءه معظمًا لحرماته ، أو خائفًا ورغب في جواره ، فإنكم إن فعلتم ذلك تخوفت أن تخرجوا منه خروج ذل وصغار ، حتى لا يقدر أحد منكم أن يصل الحرم ، ولا إلى زيارة البيت الذي هو لكم حرز ، والطير تأمن منه.

الطوفان :
فقال قائل منهم : ومن الذي يخرجنا منه ؟ ألسنا أعز العرب ، وأكثر مالاً وسلاحاً ! فقال مضاض : إذا جاء الأمر بطل ما تذكرون ، فقد رأيتم ما صنع الله بالعماليق ، بغت في الحرم فسلط الله عليهم الذّرّ فأخرجهم منه ، ثم رموا بالجدب من خلفهم حتى ردهم لله إلى مساقط رءوسهم ، ثم أرسل عليهم الطوفان .

أفسحوا لنا في بلادكم :
فلما رأى مضاض بن عمرو وبغيهم ، ومقامهم عليه عمد إلى كنوز الكعبة ، وهي غزالان من ذهب ، وأسياف قليعة ، فحفر لها ليلاً في موضع زمزم ودفنها ، فبيناهم على ذلك إذ سارت القبائل من أهل مأرب ، وعليهم مزيقياء ، وهو عمرو بن عامر ، فلما انتهوا إلى مكة وأهلها أرسل إليهم ابنه ثعلبه ، فقال لهم : ياقوم ، إنا قد خرجنا من بلادنا ، فلم ننزل بلدة إلا أفسح أهلها لنا ، فنقيم معهم حتى نرسل روادا فيرتادوا لنا بلدًا يحملنا ، فأفسحوا لنا في بلادكم حتى نقيم قدر ما نستريح ، ونرسل روادا إلى الشام وإلى الشرق ، فحيثما بلغنا أنه أمثل لحقنا به ، وأرجو أن يكون مقامنا معكم يسيرًا.

قبيلة جرهم:
فأبت ذلك جرهم إباء شديدًا ، واستكبروا في أنفسهم ، وقالوا : لا والله ، ما نحب أن ينزلوا فيضيقوا علينا مرابعنا ومواردنا ، فارحلوا عنا حيث أحببتم ، فلا حاجه لنا بجواركم ، فأرسل إليهم : إنه لابد من المقام بهذا البلد حولا ، حتى ترجع إليّ رسلي التي أرسلت ، فإن أنزلتموني طوعًا نزلت وحمدتكم وآسيتكم ، في الرعي والماء ، وإن أبيتم أقمت على كرهكم ، ثم لم ترتعوا معي إلا فضلاً ، ولا تشربوا إلا رنقًا ، وإن قاتلتموني قاتلتكم ، ثم إن ظهرت عليكم سبيت النساء ، وقتلت الرجال ، ولم أترك منكم أحدًا ينزل الحرم أبدًا.

قتال قبيلة جرهم :
فأبت جرهم أن تنزله طوعًا ، وتهيأت لقتاله ، فاقتتلوا ثلاثة أيام أفرغ عليهم فيها الصبر ، ومنعوا النصر ، ثم انهزمت جرهم ، فلم يلفت منهم إلا الشديد ، وكان مضاض بن عمرو قد اعتزل حربهم ، ولم ينعهم في ذلك ، وقال : قد كنت أحذركم هذا .

من دخله منهم فدمه هدر :
ثم رحل هو وولده وأهل بيته ، حتى نزلوا قنوني وما حوله ، فلما حازت خزاعة أمر مكة ، وصاروا أهلها جاءهم بنو إسماعيل ، وقد كانوا اعتزلوا حرب جرهم وخزاعة ، فلم يدخلوا في ذلك ، فسألوهم السكنى معهم وحولهم ، فأذنوا لهم ، فلما رأى ذلك مضاض ، وقد كان أصابه من الصبابة إلى مكة أمر عظيم .

أرسل إلى خزاعة يستأمنها ، ومتّ إليهم برأيه وتوريعه قومه عن القتال ، وسوء العشرة في الحرم ، واعتزاله الحرب ، فأبت خزاعة أن يقروهم ونفوهم عن الحرم ، وقالوا : من دخله منهم فدمه هدر .

الخوف من هبوط الوادي :
فنزعت إبل لمضاض من قنوني تريد مكة ، فخرج في طلبها حتى وجدها قد دخلت مكة ، فمضى إلى الجبال نحو أجياد حتى ظهر على أبي قبيس يتصبر الإبل في بطن وادي مكة ، فأبصر الإبل تنحر وتؤكل لا سبيل لها إليها ، فخاف إن هبط الوادي أن يقتل .

العودة إلى الأهل  :
فولى منصرفًا إلى أهله ، وأنشأ قول :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا .. أنيس ولم يسمر بمكة سامر ..
ولم يتربع واسطا فجنوبه .. إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر ..
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا .. صروف الليالي والجدود العواثر ..
وأبدلنا ربي بها دارغربة .. بها الذئب يعوي والعدو المخامر ..
أقول إذا نام الخلى ولم أنم .. إذا العرش لا يبعد سهيل وعامر ..
وبدّلت منهم أوجها لا أريدها .. وحمير قد بدلتها واليحابر..
فهل فرج آت بشيء تحبه .. وهل جزع منجيك مما تحاذر..

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby