قصص تاريخية

قصة الوخز بالإبر في الصين وأوروربا

ADVERTISEMENT

تعتبر العمليات الجراحية المعقدة واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه العلوم الطبية الحديثة ، إذ على الجراح أن يعرف كل شيء عن عمل كل عضو في الجسم البشري قبل أن يلجأ إلى استخدام مهاراته في الشق والقص والاستئصال ، أو في زراعة عضو من الأعضاء .

ولعل الأخطر من ذلك كله عمل طبيب التخدير الذي يضع الإنسان في حالة بين الحياة والموت ، إذ عليه أن يعطي المريض قبل العملية جرعة من المخدر تجعله لا يحس بالألم مما يجري عليه ، وتبقي على استجابات جسمه الحيوية ، والتخدير لفترة طويلة قد يلحق الضرر الجسيم ببعض أعضاء الجسم ، لذلك نجد آلاف الجراحين يودون إجراء عملياتهم دون تخدير مع الإبقاء على وعي المريض حتى يستجيب لتعليماتهم من جهة ، ولكي يستفيدوا هم من ملاحظاته واستجابته .

الوخز بالإبر :
الوخز بالإبر يوفر حالات كهذه ، علاوة على أثره في شفاء كثير من الحالات المرضية بدون جراحه ، فمنذ قرون ، وممارسوا الوخز بالإبر يعلنون عن قدراتهم بالشفاء من أمراض خطيرة ، وعلاج حالات الإدمان على المخدرات والتدخين ، وتخليص مرضاهم من الألم ، كما يجري بعض هؤلاء العمليات الجراحية دون تخدير ، مستعينين بطريقة الوخز بالإبر دون أن يشعر مريضهم بالألم .

تاريخ اكتشاف الوخز بالإبر:
والوخز بالإبر ، بالنسبة للطبيب المدرّب على أن المرض له أسباب عضوية ، لغز محير ، بيد أن الوخز بالإبر بالنسبة للطبيب الصيني القديم أو الحديث أمر بسيط ، يؤمن التزامن الحيوي لمظاهر الحياة داخل الجسم ، وقد عرف الإنسان الوخز بالإبر 5000 سنة مضت ، فقبل اكتشاف المعادن ، استخدم الأطباء الصينيون إبراً من الصوان والعظام ، وكان اكتشاف مفعول الوخز بالإبر صدفة ، عندما لاحظ الأطباء الصينيون أن جرحى الحرب المصابون بسهام الخيرزان كانوا يشفون من أمراض طالما عانوا منها قبل إصابتهم بتلك السهام .

كتاب الوخز بالإبر :
وبدارسات عديدة كتلك تمكن الأطباء من تحديد قنوات تحت الجلد تمكن فيها القوى الحيوية التي تتحكم بصحة الجسد ، وقد تم تدوين تلك الخبرات قبل نحو 1500 سنة في كتاب يسمى : Yellow Emperors Book of Internal Medicine يتكون الكتاب من 34 مجلداً تشمل على حوار مطول بين الإمبراطور هوانغتي وطبيبه الخاص تشاي باي ، حول خلاصة المعلومات المعروفة لأسباب المرض وعلاجها .

وتفترض تلك المعلومات أن الصحة الجيدة تظهر في روح الحياة تشي ، التي هي عبارة عن توازن بين قوتين متكاملتين متضادتين هما ألين ، والبانغ .

شرح ماهية الوخز بالإبر :
يقال أن الين هي قوة مائية أنثوية لطيفة داخل البدن ، تقابل وتوازن قوة اليانغ الجافة الذكرية الخشنة ، وما المرض بالنسبة لفلسفة الصحية الصينية ، سوى اختلال الاتزان بين هاتين القوتين ، أما الروح تشي فتسري في جسم الإنسان خلال 12 زوج من القنوات الممتدة على جانبي الجسد .

بحيث يرتبط كل زوج بعضو حيوي : القلب والأمعاء الدقيقة والمثانة والكليتان والحويصلة الصفراء والكبد والرئتان والقولون والمعدة والطحال ،وعضوان غير معروفان في الطب الغربي ، يضبطان الدورة الدموية في الجسم .

هذا ويوجد على امتداد كل قناة عدد من نقاط الضغط ، أو البوابات التي تتحكم بجريان التشي ، حيث يتم الوخز بالإبر ، ذلك أن عملية الوخز تزيد من تيار الين أو اليانغ لتحقيق التوازن بين القوتين ، وبالتالي تحقيق الصحة والعافية ، ولقد كان يعتقد بوجود 365نقطة ضغط دم بعدد أيام السنة في جميع القنوات ، غير أنه تم حتى اليوم تحديد نحو 2000 نقطة ، ونقاط الضعف هذه لا توجد علاقة بين موقعها وموضع الألم في الجسم ، والطب الغربي غير معترف بوجود تلك النقاط .

وتبين الرسوم والخرائط الصينية الشبكة المعقدة لنقاط الضغط على امتداد القنوات عبر خطوط غير منطقية ، تمر بالجهازين العضلي والعصبي في الجسم ، فأمراض الكلى مثلاً ، مرتبطة بنقاط في باطن القدم ، واضطرابات القلب لها أكثر من 12 بوابة تمتد من الصدر إلى أطراف الأصابع .

وفي بعض الحالات عندما تفشل الإبر في إحداث الشفاء يتم تزويد طرف الإبرة البعيدة من الجلد بخلاصة أعشاب مشتعلة تساعد في سرعة الشفاء ، بل وهناك طريقة حديثة اليوم وهي تزويد طرف الإبرة بنضات كهربائية خفيفة .

المنع :
ولقد حاولت السلطات الطبية عبر العصور منع العلاج بوخز الإبر باعتباره طباً زائفاً ، وليس الشفاء الذي ينتج عنه سوى أمر نفسي ، بيد أن هؤلاء يتجاهلون أن الوخز بالإبر ، كان فعالاً في الطب البيطري مع الحيوانات أيضاً ، حيث تم شفاء كلاب مصابة بالشلل ، على سبيل المثال بوخزها بالإبر ، كمان أن الكتب أشارت إلى علاج الفيلة وشفاء أمراض العظام لدى الحيوانات عن طريق الوخز بالإبر .

الوخز بالإبر بين الشرق وأوروبا :
ولقد عرف الشرق الوخز بالإبر منذ قرون ، غير أن أوروبا لم تعرفه الا منذ300 سنة فقط ، عن طريق بعسة تبشيرية يسوعية ، ولم بحظ  بالاهتمام ألا منذ عام1939م ، عندما قام الدبلوماسي الفرنسي العالم جورج سولي دي موران بكتابة مرجع من خمس مجلدات عن طرق الوخز بالإبر ، فأحيا هذا النوع من الطب في أوروبا من جديد ، واليوم يوجد في فرنسا وحدها أكثر من 1500 طبيبًا يحملون ترخيصاً لاستخدام الوخز بالإبر في علاج مرضاهم ، كما يوجد أكثر من 10 مستشفيات خاصة مجهزة بأقسام العلاج بالوخز بالإبر .

الوخز بالإبر والصين :
أما عن الصين نفسها ، مهد العلاج باستخدام الوخز بالإبر ، فقد تقلب حظ هذا النوع من العلاج بين القبول والرفض ، ففي عام 1822م ، أعلنت السلطات الصينية أن الوخز بالإبر عمل بربري دون العلاج بالأعشاب مرتبة ومنعت مزاولته ، بيد أن الوخز بالإبر ظل يمارس في المناطق النائية ثم عاد وازدهر في جميع أنحاء الصين ، ثم تم منعه ثانية عام 1922م ، بعد فشله في إيقاف الطاعون الذي انتشر في منشوريا نتيجة تفشي التيفوس والدوسنطاريا .

لقد تم منع الوخز بالإبر في عهد شيانج كاي شيك ، والحكومة الشيوعية التي خلفته ، غير أن الرئيس ماوتسي تونغ ، أعاد طلب الوخز بالإبر اعتباره ، وسمح بممارسته الي جانب الطب الغربي الحديث والجراحة .

الوخز بالإبر والطب الحديث :
وفي عام 1955م أعلن الأطباء الصينيون أن بإمكانهم تخدير المريض بغرس ابرتين فقط في مكانين مختارين بدقة تحت الجلد أثناء إجراء العمليات الجراحية الخطيرة ، أو عمليات الولادة ، واليوم يستخدم التخدير الوخز بالإبر في نحو 10 بالمائة من حالات المرضى الذين يتعرضون لعمليات جراحية ، وهؤلاء يفقدون وعيهم ، ولا يتعرضون لجرعات التخدير الذي قد تفضى إلى الموت .
كما أن بعضهم بإمكانه شرب بعض الماء ، أو يبلع كمية ضئيلة من الطعام ، بناء على رغبة الطبيب الجراح ، وهم يحسون بالمشارط والملاقط تعمل في أجسادهم ، ولكن بدون الشعور بالألم ، كما أن أطباء الأسنان الصينيين أخذوا يتحدثون عن إيقاف الألم ، بمجرد الضغط على نقاط حيوية معينة بأصابعهم !

الوخز بالابر اليوم :
وهناك اليوم في الصين أكثر من 100 نوع من العمليات الجراحية المختلفة ، تستخدم فيها الوخز بالإبر لمنع الألم ، كما أن بين 15 و 20% من العمليات الجراحية جميعاً التي تجري في الصين يتم فيها التخدير عن طريق الوخز بالإبر ، وقد ثبت نجاح هذه الطريقة بنسبة 75% من الحالات التي استخدمت فيها .

الوخز بالإبر والمرض النفسي :
كما أن اليوم يستخدم الوخز بالإبر في علاج بعض الحالات النفسية ، والاضطرابات العاطفية ، وفي التغلب على الخوف والقلق وما إلى ذلك ، ولقد أخذ الأوروبيون ينظرون اليوم إلى العلاج عن طريق الوخز بالإبر بنظرة جدية أكثر ، ويجرون البحوث للحصول على سر فعالية هذه الطريقة في منع الإحساس بالألم وفي علاج الكثير من الحالات المرضية .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby