قصص اجتماعية

قصة لا أريد أن أصبح مثل أمي

ADVERTISEMENT

كنت في الرابعة عشر من عمري حينما أخذت هذا العهد على نفسي ، كنت فتاة مراهقة تشعر بالجموح وترفض الخضوع والهيمنة ، قد تظنون أنني أكرهها ولكنها أحب الناس إلى قلبي ، فهي نقطة ضعفي الوحيدة ولهذا كرهت الضعف .

كانت أمي زوجة تقترب إلى حد المثالية والكمال ، كانت رائحتها كالمسك دومًا تهتم بشكلها وجسمها ونظافتها ، وكان طعامها هو المحبب لدي ، ربتني أنا وإخوتي السبعة وحدها وأحسن تربيتنا ، فأبي كان منشغل عنا بزيجاته الأخر .

كانت أمي هي الزوجة الأولى وتزوج بعدها ثلاث لكنه لم يجد الكمال في أحد منهم ، ولكنه ظل متمسك بالأربعة رغم ذلك ولم يترك منهم أحد ، لم تكن تشتكي من بعده أو هجره أو ثقل الحمل على كتفيها.

كانت أمي مثالاً في الصبر والهدوء ، كنت مولعة بكل تفاصيل أمي مقتنياتها طريقتها في الحديث ملامحها ، كل شيء فيها كان يسرقني من نفسي إلا شيء واحد حالها ، كنت دومًا أسأل نفسي : ماذا فعلت كي تعيش وحيدة دون زوجها ؟

لقد كان يشهد لها القاصي والداني وببراعتها ونظافتها واهتمامها بجمالها ونفسها ، لا أعلم حتى الآن لماذا تركنا وتركها ، كنت صغيرة حينها ولكن حينما بلغت الأربعة عشر عامًا عاهدت نفسي ألا أكون مثلها .

لن أظلم نفسي أو أجور عليها ، سأكون امرأة عادية لا تبذل كل ما في وسعها حتى لا أحمل هم الخيبة ولا أحزن على كل ما سأفقده ، لن أدقق في شكل جسمي وهل زاد وزني أم لا ؟ سأعيش هكذا دون أن أرهق نفسي وأقحمها في صراعات من أجل أحد .

كنت أغضب كثيرًا حينما أسمع التبريرات من حولي ، تبيح رحيل الرجل وأن المرأة دائمًا هي السبب ، فأمي لم تكن السبب وإنما طمع الرجل وملله هو سر عزوفه عن أنثاه ، لقد ظل تقصير المرأة كذبة يرددها الرجال والنساء كي يبررون بها عجز الرجل عن الوفاء لامرأة واحدة .

لم أقوى على احتمال كل تلك الأفكار وفكرت ذات مرة أن أبوح لأمي ، أخبرتها بكل شيء فقالت لي : لم أعتني بنظافتي وجمالي من أجل أبيكِ ولكن من أجل نفسي ، واهتمامي بتنظيف المنزل كان من أجل خلق بيئة مريحة أستطيع العيش فيها ، أما عن اهتمامي بصحة أبيكِ فلأن هذا كان أمر طبيعي وأتقرب به كذلك إلى الله .

أخبرتني أن الغضب والطلاق بسبب زواج رجل من امرأة أخرى أمر لحظي قد يزول مع مرور الوقت ، وأن الرجال لا ينفقون على أبنائهم حينما يبتعدون ، أخبرتني أن الأبناء نعمة يجب أن نحافظ عليها ونكون أسرى لمصالحهم .

ثم همست في أذني كنت أعتقد أني علمتك ذلك ، نزلت كلماتها على جرحي كالبلسم الشافي ، وعلمت أن كل جميل نفعله لأنفسنا لا من أجل الرجال ، أسعدتني أمي ووضعتني على أول الطريق كي أتخلص من عقدتي حتى أنني تمنيت أن أكون مثل أمي .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby