قصص اجتماعية

قصة بعد فوات الأوان | قصص

ADVERTISEMENT

يمر قطار العمر أحيانًا بلا استئذان ، هناك من يركب حتى يصل إلى وجهته الأخيرة ، وهناك من ينزل في منتصف الطريق لأنه أخطأ وجهته أو تخيل ذلك ، وهناك من لم يسعفه الحظ ويلحق بهذا القطار ، هذه قصة واقعية لرجل أفسد حياته بيده ، ولكن حينما أدرك ذلك وأراد إصلاحها كان الأوان قد فات ، ويحكي الرجل عن قصته ويقول :

لقد من الله عليّ بالسعادة مع زوجتي وأبنائي ، حيث رزقني الله بامرأة جميلة صالحة جلستها لا تمل ، ولكن بعد مرور الزمن ظهرت عليها أثار التقدم بالعمر ، فتغير جسدها وبهت جمالها .

وبالرغم من أنها كانت لا تزال تحتفظ بجمال روحها ، إلا أنني شعرت برغبة في التجديد ، فقد تزوج أبنائي ولم يبق إلا أصغرهم وكان حينها يدرس بأمريكا ، فغرتني الدنيا ولم أرى كبر سني مثل ما رأيت فيها ، وفكرت بالزواج بشابة صغيرة تدخل السعادة والسرور على قلبي .

وفعلًا خطبت واحدة وعقدت عليها ، ثم صارحت زوجتي بما كان مني وأخبرتها أن دخلتي في الغد ، فبكت وعاتبتني أحر العتاب ثم طلبت مني أن أشتري لها بيتًا كضمان تستند عليه بعد أن ظلمتها ، ولكني رفضت فاحتدم النقاش بيننا .

ولأول مرة منذ زواجنا ترفع صوتها عليّ وتوبخني ، اندهشت كثيرًا فزوجتي كانت مثال للرزانة والهدوء ، وفي غمرة غضبي رددت عليها بقسوة فقالت لي : أنت الآن لا تعني لي شيئًا لقد بعتك دون أي ثمن ، فقلت لها : وأنا أيضًا ثم رميت عليها يمين الطلاق .

ورغم ذلك لم تصمت أو تهتم بل على العكس ، ازدادت نبرة صوتها وأخذت تذكرني بخيرها ، لم أستطع المواجهة هربت من ضغطها لأني كنت أعلم في قرارة نفسي أن الحق معها ، واتجهت إلى شقتي الثانية التي جهزتها للعروس وأنا أحلم بالسعادة المقبلة .

وامتد بي الكبر والعناد حتى قررت ألا أرد زوجتي تأديبًا لها ، لأني أحسست بكره عجيب في قلبي تجاهها بعد تلك المشادة التي وقعت بيننا ، فلم أعد إلى المنزل وتزوجت من العروس الشابة ، كانت جميلة وصغيرة طرت بها فرحًا وطويت الصفحة القديمة من حياتي مع زوجتي الأولى .

ثم سافرت لقضاء شهر العسل بماليزيا ، وهناك صببت كل عواطفي وحبي على هذه الزوجة ونسيت أم أبنائي ، حتى عدت إلى المملكة وأنا أنتظر من زوجتي الأولى أن تتصل أو تعتذر عما بدر منها ، ولكنها لم تفعل فزاد كل هذا في عنادي ومكابرتي .

حتى جاء إليّ أكبر أبنائي وترجاني برد أمه إلى صمتي ، ولكني كنت مجحفًا بحقها ، ولم ألتمس لها العذر فيما فعلته ردًا على زواجي من غيرها ، واشترط عليه أن تعتذر عما بدر منها تجاهي ، ولكن ولدي كان منصف وقال أن الحق معها ، وهي الغاضبة ولست أنا .

ولكني ركبت رأسي ويا ليتني لم أفعل ، وأرسلت لها لتخرج من المنزل حتى أرممه ، ولما تركته لم أسأل عنها ولا عن أبنائها حتى حينما زاروني في منزلي ، كنت أستقبلهم أنا وزوجتي ببرود .

وظل الأمر على هذا الحال حتى انقضت خمسة أشهر كنت خلالها مشغول بترميم المنزل ، ثم جاءت المفاجأة حين أخبرتني زوجتي الثانية بحملها ، لأنها كانت متزوجة من قبل لمدة عشرة سنوات ولم تنجب !

ولهذا اخترتها ، فلم أكن أريد أطفالًا فأنا رجلٌ استبد بي العمر ، ولم يعد لدي طاقة لتحمل بكاء الأطفال وطلباتهم ، ولأن حملها لم يكن مستقرًا ذهبت للبقاء في بيت أهلها لحين الولادة ، فعدت وحيدًا من جديد وحينها قررت رد زوجتي لعصمتي .

ولكن يا للمفاجأة حينما صارحت ابني في رد أمه إلى عصمتي ، أخبرني أنها تزوجت منذ أسبوع من جاري وصديقي أبو فهد التي توفيت زوجته قبل خمس سنوات ، وتركته وحيدًا بعد أن تزوج أبنائه ، وعلى الرغم من أنه تزوج مرتين ولم يفلح زواجه إلا أنها زواجه بامرأتي الأولى كان مختلف .

فكثيرًا ما حكيت له عنها وصارحته بمزايا زوجتي ، وكيف أني سعيد معها ، وكثيرًا ما قالي لي أنها جوهرة ثمينة ونصحني بالحفاظ عليها ، حين علمت بأمر زواجهما اشتعلت نار الغيرة في قلبي ووبخت ابني على عدم اخباري والسماح لها بالزواج ، فقال لي : لقد طردتها من بيتك وحين سكنت معي لم ترتاح مع زوجتي ، فلما خطبها أبو فهد وافقت لأنك لم تعد تريدها في حياتك أو بيتك ، ولم تعرف حينها إلى أين تذهب ؟

دخلت شقتي بخطى متثاقلة وقلب كسير ، ورميت نفسي على سريري وأنا أبكي كطفل صغير ، شعرت لأول مرة أن ركبت القطار الخاطئ وأضعت وجهتي ، ندمت ولكن بعد فوات الأوان ، ثم استسلمت للأمر الواقع وتركت الشقة وانتقلت للبيت مع زوجتي بعد ترميمه .

ورزقني الله بولدان توأمان ثم بنت ، في خلال سنتين فقط صار عندي ثلاثة أبناء ، فانشغلت زوجتي عني بأطفالها وكثرت طلباتها من حليب وحفاظات وأطباء ، شعرت أنني لم أعد أقوى على هذه الأمور فأنا رجلٌ تعديت الستين وهي مازالت في الثلاثين.

ففكرت في مساعدتها وأحضرت لها مربيتين كي يهتموا بالأطفال ، وتتفرغ هي لي فتفرغت ولكن ليس لي ، بل لوظيفتها وأهلها وأصدقائها ، كنت أنا أخر اهتماماتها وكثيرًا ما كانت تذكرني بفارق السن الكبير بيننا ، فاستسلمت لواقعي المرير وصرت أكثر وحدة من ذي قبل.

ولما اشتد عليّ الأمر قررت للذهاب في عمرة طلبًا للراحة عند بيت الله الحرام ، وأخبرت زوجتي بالأمر فكم كانت سعادتها عند سماعها برحيلي ، كأني حمل تحمله فوق ظهرها لقد كنت أعلم في قراره نفسي أنها تريد الفكاك مني بأي طريقة .

فذهبت وأنا ألتمس من الله أن يجد لي مخرجًا مما أنا فيه ، وصدفة التقيت بصديقي القديم أبو فهد ، كان يسكن بنفس الفندق الذي أسكن فيه ، حينما رأيته سلم عليّ وكم كانت دهشتي مما أراه ، فقد تغير كثيرًا ازداد وجهه إشراقًا وتحسنت صحته .

وعلمت منه أنه في مكة منذ شهر ، ودعته بمزيد من الألم وذهبت لأرتاح ، وقبل الصلاة بقليل رأيته ثانية وهو يدخل ممسكًا بيد جوهرتي الثمينة وهي ممسكة بذراعه وتهمس في أذنه وهو يبتسم ، كما كانت تفعل معي من قبل .

فتوجهت إلى الله بقلب كليم وأنا أتحسر على حالي ، ثم صليت داعيًا أن يرضيني الله بقضائه ، أو يقضي في عمري أمرًا كان مفعولًا ، فلم يعد لعمري قيمة بعد ما فقدت أهم ما فيه .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby