قصص منوعة

قصة جلاد باريس | قصص

ADVERTISEMENT

منذ أن
كان السيف هو وسيلة الإعدام الوحيدة في فرنسا وحتى ظهور المقصلة ، قام تشارلز هنري
سانسون بقتل حوالي ثلاثة آلاف شخص ، لتنفيذ مهام وظيفته الدامية .

في يوم
الخامس من يناير عام 1757م ، وبينما كان ملك فرنسا لويس الخامس عشر يغادر قصر
فرساي ويسير باتجاه عربته ، جاء رجل واجتاز الحراس ودفع الملك من الخلف وقام بغرز
سكين رفيعة في صدره ، فتم إلقاء القبض على هذا الرجل ، وحمل الملك إلى داخل القصر
وكشف عليه الأطباء ووجدوا أنه مصاب بمجرد جرح سطحي في الصدر ، ولم يكن الملك يشع
بالقلق من الجرح ولكنه أحس بالذعر من كون شخص حاول اغتياله وأن هذا الأمر يمكن أن
يتكرر .

وقد صدرت
أوامر الملك روبرت -فرانسوا داميينس الذي حاول قتل الملك والذي كان متعصب دينيًا
وغير مستقر عقليًا ، وفي يوم 28 مارس اقتيد روبرت إلى مكان يدعى دي-غريف في قلب
باريس أمام حشد هائل من الناس ووسط هتافات كراهية قاسية ، وتم تعذيبه بطريقة وحشية
، ففي البداية تم تقطيع أجزاء من جسده بكماشة حديدية ساخنة .

ثم تم
صهر السكين التي طعن الملك بها مع الكبريت ، وتم صب المصهور الساخن فوق يده ، ثم
قام الجلاد بربط أطرافه الأربعة بالسلاسل وربط كل طرف في حصان ، وتم اقتياد كل
حصان في اتجاه مختلف ، وفي النهاية قام الجلاد بقطع أطرافه الأربعة ، ثم أشعل
النار في جذعه الذي كان مازال ينبض بالحياة حتى تحول إلى رماد .

كان هذا
المشهد الوحشي من الشاهد المحببة لسكان باريس ، أما بالنسبة للجلاد ” تشارلز
هنري سانسون ” الذي نفذ تلك الإجراءات وهو يبلغ من العمر 17 عامًا ، فقد كان
كل ذلك مجرد يوم عمل أخر ، ففي الوقت الذي ولد فيه تشارلز هنري سانسون في 15
فبراير 1739م كانت عائلة سانسون هي الجلاد الملكي في فرنسا والتي استمرت في شغل
تلك الوظيفة على مدار ثلاثة أجيال  لذلك
فإن روبرت هنري قد ورث تلك الوظيفة عن أسلافه في عام 1754 ، بعد أن أصيب والده
باتيست سانسون بمرض غامض فجأة وجعله يصاب بالشلل لبقية حياته .

 أما الشاب تشارلز فقد تسلم مهام وظيفته الوحشية
على الفور وبدأ بتنفيذها ببراعة ، فعلى مدار قرون كان الإعدام يتم بطريقة خاصة
داخل فرنسا ، فالنبلاء كان يتم قطع رؤؤسهم بالسيف لأنه أكثر نظافة وفاعلية من
السيف ، أما عامة الشعب فكان يتم شنقهم وهي عملية دقيقة حيث كان من الواجب اختيار
حبل بمقاييس صحيحة حتى يقوم بكسر الرقبة البشرية .

أما قطاع
الطرق فقد كان يتم أطرافهم الأربعة على طاولة ، ويتم تكسيرها بمطرقة ثقيلة ثم
يقتلون بضربة في الصدر ، وكما يقول تشارلز هنري فإن الجلاد الجيد هو الذي يكون
ضليع في كل الجوانب التقنية الخاصة بطرق الإعدام المختلفة ، وكان على تشارلز عند
كل عملية إعدام أن يخرج على الناس وهو يرتدي وشاحه الأحمر حتى يتم تمييزه عن باقي
الحشد ، وبعد الإعدام تتقدم الجماهير للمس يده لأنهم كانوا يعتقدون أن الدماء في
يديه لها قوة شافيه ، وكلما كانت الدماء مازالت حديثة كلما كان أفضل .

وعلى
الرغم من ذلك فإنه في الأحوال العادية كان الناس يخافون من الجلاد ولكنهم لا
يحترمونه وكان من الشائع أن يبصقوا إذا رأوه يمر في الشارع ، وكان عادة ما يقوم
الناس في السوق بإعطائه ما يريد من بضائع دون مقابل ولكن لا يسمحون له بلمس
بضاعتهم بيديه لأنهم يشمئزون منها ، وهكذا كان الواقع الذي ولد وعاش فيه تشارلز
هنري سانسون .

ولكن
واقع تشارلز قد تغير تمامًا بعد اقتحام سجن الباستيل وبداية الثورة الفرنسية ،
وبدأت أول علامات هذا التغير تظهر في عام 1788م عندما تم استدعاء تشارلز لإعدام
جان لوسشارت بعد إدانته بقتل والده بالمطرقة أثناء شجار وقع بينهما ، وكان موقع
الإعدام بالقرب من قصر فرساي وقبل أن ينفذ تشارلز الحكم اقتحمت الجماهير الغاضبة
منصة الإعدام وقامت بتحرير المتهم ، وأحرقوا المنصة ، وعلى الرغم من أن تشارلز قد
نجا من غضب الحشود هذه المرة ، إلا أن النظام الفرنسي بأكمله لم ينجو وتمت الإطاحة
بالملك في عام 1789م .

بعد
إزاحة الملك تم منع كل الامتيازات التي كانت تمنح لجلاده ، واقترحت الحكومة
الجديدة إيجاد وسيلة أخرى موحدة لإعدام جميع الناس كنوع من المساواة بين الطبقات ،
وقد اقترح الطبيب جوزيف إيجينياس جيوتن فكرة المقصلة ، وكان تشارلز من المؤيدين
لتلك الفكرة ، وقد عمل لعدة أشهر مع الجراح الملكي دكتور أنطون لويس للإشراف على
تصميم وآلية عمل المقصلة ، وقام بتجريب الآلة عدة مرات على الخنازير والأغنام وجثث
بعض الموتى من البشر ، وفي النهاية أصبحت المقصلة جاهزة للاستخدام .

وفي 25
أبريل 1792 م استضافت المقصلة ضحيتها الأولى وهو نيكولاس جاك بيليتيير ، وقد أصيب
الرجل بالرعب عندما رأى جهاز الإعدام الجديد ، كما أن الحشود كانت غير راضية عن
السرعة والكفاءة التي تعمل بها المقصلة ، وبدأوا يهتفون “أعيدوا المشانق
الخشبية ” ، بجانب ذلك فقد أكد تشارلز ومن معه من الجلادين أن الرأس المقطوع
بالمقصلة يبقى على قيد الحياة لعدة ثوان .

وكان من
اللحظات الفارقة في حياة تشارلز عندما سقط ابنه غابريل من فوق سقالة الإعدام التي
تحمل المقصلة وتوفي في الحال ، وقد زاد ذلك من استياء تشارلز من المقصلة ، فقدم
استقالته بعد الحادث ، ولكن السلطات رفضتها ، أما الإنجاز الكبير لتشارلز سانسون
وللمقصلة هو إعدام الملك لويس السادس عشر .

وأخيرًا
وبعد أن استمر تشارلز سانسون في أداء وظيفته الدامية لمدة 40 عامًا وهي أطول فترة
قضاها جلاد فرنسي في الخدمة ، كتب مذكراته ، والتي ذكر فيها أنه ظل لفترة طويلة لا
يستطيع أن يقنع نفسه بالواقع الرهيب الذي يجري حوله ، وقد بدأ يعاني من رؤية بقع
دماء حوله في كل مكان حتى على طاولة العشاء ، وبعد فترة بدأ يعاني من الهذيان ،
فترك مهام وظيفته لابنه هنري الذي قبض عليه لأنهم شكوا أنه معادي للثورة ، ولكن
قبل أن يرسل هنري للمقصلة تم إعدام روبيسبير نفسه وهو أحد من أسسوا لعهد الإرهاب
الفرنسي .

أما
تشارلز فلا يعرف الكثير عن فترة تقاعده ، ويقال أنه أقام في منزل والده القديم
خارج باريس وأخذ يرعى أحفاده ، وقد حرم من معاش التقاعد بسبب عدم وجود أوراق رسمية
تثبت توليه مهام منصبه ، وقد توفي عام 1806 م بعد أن قتل آلاف الأشخاص خلال حياته
.

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby