قصة المتنبي مع سيف الدولة الحمداني
كان المتنبي واحد من أشهر شعراء العرب ، وقد ذاع صيته وانتشرت شهرته في القرن العاشر الميلادي وقد اشتهرالمتنبي بقصصه ونوادره وأنه قد قتله شعره ، كما ارتبط اسم المتبني بالخليفة سيف الدولة الحمداني والذي اشتهر باسم سيف الدولة وكان مؤسس إمارة حلب ، وقد اعتاد المتنبي أن يمدح سيف الدولة في قصائده ، فكان سيف الدولة يمنحه ثلاثة آلاف دينار كل عام ، وكان المتنبي يكتب ثلاثة قصائد فقط .
وذات يوم
كان القائد والشاعر أبو فراس الحمداني يجلس مع سيف الدولة وهو ابن عمه وقد حارب
معه كثيرًا وكان أيضًا من أبرز شعراء عصره ، فقال أبو فراس لسيف الدولة إنك تجزل
العطاء للمتنبي فتمنحه ثلاثة آلاف دينار وهو يكتب ثلاثة قصائد فقط ، وأنك يمكنك أن
تجلب إلى ديوانك عشرين شاعرًا ويأتوك بأحسن من شعره وتمنحهم مائتي دينار فقط ،
فاقتنع سيف الدولة بكلام أبو فراس ونفذه ، فلما سمع المتنبي بالقصة دخل على سيف
الدولة في مجلسه وهو يحمل ورقة في يده ، وكان أبو فراس يجلس معه ، وبدأ المتنبي
يقرأ من الورقة الأبيات التالية :
وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ .
ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ .
إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ فَلَيْتَ أنّا بِقَدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ .
قد زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ وَقد نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسّيُوفُ دَمُ .
فكانَ أحْسَنَ خَلقِ الله كُلّهِمِ وَكانَ أحسنَ ما في الأحسَنِ الشّيَمُ .
فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ في طَيّهِ أسَفٌ في طَيّهِ نِعَمُ .
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ لَكَ المَهابَةُ ما لا تَصْنَعُ البُهَمُ .
أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ .
أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشاً فانْثَنَى هَرَباً تَصَرّفَتْ بِكَ في آثَارِهِ الهِمَمُ .
عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا.
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ .
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ .
وكان أبو
فراس الحمداني جالس ويسمع شعر المتنبي ، فكان كلما يقول بيت جديد ، يرد أبو فراس
عليه إن هذا البيت قديم ، وظل يفعل ذلك حتى غضب أبو الطيب المتنبي ، ورمى الورقة
من يديه ، وبدأ يرتجل الأبيات الشهيرة التي يمتدح فيها نفسه :
سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ .
أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ .
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ .
واستمر
المتنبي ينشد في مدح نفسه ، فذهل أبي فراس الحمداني بينما غضب سيف الدولة ، لأن
المتنبي توقف عن مدحه ، وبدأ يمدح يده ، فحمل سيف الدولة محبرته وألقاها على وجه أبو
الطيب المتنبي فأصابت جبهته وسال الدم من جبينه ، ولكن المتنبي لم يسكت ، فأكمل
القصيدة قائلًا :
يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ وِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ .
واستمر المتنبي في إلقاء قصيدته والجمع من رجال سيف الدولة في ذهول
مما يحدث ، ومن ارتجال المتنبي ، وفي نهاية القصيدة شعر سيف الدولة أنه كان مخطئ
حين سمع حديث أبو فراس وعمل به ، وقام بتقبيل رأس المتنبي وقربه منه مرة أخرى .