قصص تاريخية

قصة أسوأ كارثة منجمية في تاريخ أوروبا

ADVERTISEMENT

تعددت الكوارث واختلفت حول العالم على مر العصور والأزمنة ، وهناك ما هو خالد في ذاكرة التاريخ نتيجة لبشاعته وفظاعة نتائجه ، وقد كانت كارثة انفجار أحد المناجم في فرنسا خلال عام 1906م أحد هذه الكوارث التي تُعد الأسوأ في التاريخ الأوروبي ، حيث امتد حريق هذا المنجم التابع لمؤسسة مناجم كوريير Compagnie des mines de Courrières ليصل إلى مئات الكيلومترات .

تحذيرات قبل الكارثة :
كان العمال داخل المناجم يُلقبون باسم “الأفواه السوداء” ؛ نظرًا للون غبار الفحم الأسود الذي كان يغطي أجسادهم ، وقبل وقوع كارثة منجم الفحم الفرنسي بأيام قام الكثيرون من العمال بالتنبيه على وجود رائحة تسرب غاز داخل المنجم ، وهو الأمر الذي يُشكل خطرًا كبيرًا على حياتهم ، غير أن إدارة مؤسسة مناجم كوريير لم تهتم بتلك التحذيرات ، بل أمرت باستمرار عمليات استخراج الفحم بشكل منتظم .

وقوع الكارثة :
وفي صباح أحد الأيام وفي حدود الساعة السادسة والنصف دقّ ناقوس الخطر الأكبر بإنفجار حقل ليكوفر Lecoeuvre الذي كان قريبًا من المنجم ؛ نتيجة لتسرب الغاز ، ليصبح هذا الانفجار هو الشرارة الأولى التي تسببت في وقوع الكارثة الكبرى ، حيث تسبب ذلك في ارتفاع كميات كبيرة من غبار الفحم الذي يشتعل سريعًا داخل المنجم .

حدث فيما بعد انفجار هائل في المنطقة ، والذي تسبب في انهيار أجزاء مهمة من المنجم ، وقد امتدت ألسنة اللهب لتلتهم أكثر من مائة كيلومترات من الأنفاق ؛ وحدث ذلك في فترة قصيرة جدًا لم تتجاوز الدقيقتين ، ثم بدأت أعداد كبيرة من رجال الشرطة الفرنسية في التوافد على مكان وقوع الكارثة خلال فترة وجيزة .

قامت قوات الأمن بالعمل على تطويق المكان بصورة كاملة ، حتى يتم منع الأهالي من الدخول للاطمئنان على ذويهم ممن كانوا يعملون داخل المنجم وقت وقوع الكارثة ، حيث توافد الأهالي بأعداد غفيرة ، وذلك لأن الكارثة كانت صادمة ومؤلمة للغاية ، لأنها تسببت في سقوط مئات الضحايا.

ضحايا الكارثة :
أعلنت السلطات الفرنسية مقتل ما يزيد على 1200 عامل بالتزامن مع وقت الكارثة ، غير أنه تم التراجع عن هذا الرقم بعد مرور بضعة أيام ، حيث أعلنت فرق الإنقاذ إحصاءها 1099 جثة ، لتصبح بذلك أسوأ كارثة منجمية في تاريخ أوروبا من حيث عدد الضحايا ، كما قامت هذه الكارثة بتسليط الضوء على استغلال الأطفال للعمل في المناجم ، حيث أن المستشفيات قد أعلنت في تقاريرها أن ربع الضحايا كانوا من الأطفال الذين تراوحت أعمارهم ما بين 12 و 16 سنة .

شهدت أوروبا الغربية بعد هذه الكارثة حملة تعاطف كبيرة وغير مسبوقة مع الشعب الفرنسي ، وتم إرسال فرق إنقاذ من ألمانيا وبلجيكا من أجل تقديم المساعدة للسلطات الفرنسية في عملية إسعاف الناجين وانتشال الجثث ، كما سعت مؤسسة كوريير للمناجم إلى التعجيل بعمليات الإنقاذ من أجل العودة للعمل في إخراج الفحم مجددًا ، وهو ما أثار غضب العمال الذين اتجهوا للدعوة إلى الإضراب عن العمل .

وبعد الانتهاء من عمليات الإنقاذ حدث شيء غير متوقع أثار ذهول الجميع ، حيث خرج 13 عاملًا بمفردهم ودون مساعدة من المنجم ، حيث أنهم تمكنوا من البقاء على قيد الحياة ، وذلك لأنهم قاموا بأكل بقايا حصان ميت وشربوا من بولهم ، وهو ما جعل العمال يشككون في وجود مزيد من العمال الناجين داخل المنجم ، وهو ما تسبب في حالة من التمرد والعصيان أدى إلى توقف استخراج الفحم .

قام وزير داخلية فرنسا آنذاك جورج كليمونصو Georges Clemenceau بإرسال أكثر من 20 ألف من قوات الأمن إلى المنجم مرةً أخرى ، ثم وافق العمال بعد جملة من المفاوضات على استئناف أعمالهم داخل المنجم مقابل زيادة طفيفة في الأجور ، وقامت السلطات الفرنسية بالتصدي لإمكانية حدوث إضرابات من خلال انتداب عمال من مستعمراتها وخاصةً من تونس والجزائر .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby