قصة سارة أكبر | قصص
إن المرأة العربية قادرة على اختراق الحواجز ، وأيضًا إذا تسلّحت بالعلم والإمكانات المطلوبة ، فلن يقف شيء في طريقها أي عائق لتحقيق طموحها ونجاحها ، فروح التحدي والإرادة التي تملكهما المرأة العربية وما تتمتع به من صلابة ، وإصرار على تخطي كل ما يقابلها من محن وصعاب ، نقلها من المحلية للعالمية ، فقد أثبتت المرأة العربية ذاتها في شتى المجالات ، ومعنا نموذج مشرف للمرأة العربية التي تعد فخر للعالم العربي أجمع ، إنها الهندسة الكويتية السيدة سارة أكبر .
الميلاد والنشأة والدراسة :
سارة حسين أكبر ، ولدت في 25 أكتوبر عام 1958م ، في دولة الكويت ، نشأت وترعرعت سارة أكبر في أسرة مثقفة فوالدها كان يعمل في شركة نفط الكويت ، ووظيفة والدها كانت سببا في رؤيتها النور داخل مستشفى الشركة في الخامس والعشرين من أكتوبر 1958، وتلقت سارة أكبر سنون تعليمها الانتقالية داخل دولة الكويت ، وبعد إكمالها الشهادة الثانوية انتقلت إلى المرحلة الجامعية ، فدرست سارة أكبر في جامعة الكويت ، وانضمت إلى أول دفعة من طالبات الهندسة الكيميائية بالجامعة ، وحصلت عام 1981م على بكالوريوس في علوم الهندسة الكيميائية بتفوق باهر .
الحياة المهنية للمهندسة سارة حسين أكبر :
بدأت سارة أكبر حياتها العملية كمهندسة بترول ، ودخولها في العمل الميداني لم يكن سهلا ، وتطلب منها الإصرار والعزيمة وتكرار المحاولة تلو المحاولة ، لأن رؤسائها الذكور لم يكونوا واثقين من قدراتها ، وكانوا يخافون أن يحدث لها مكروه فيتحملون المسؤولية .
لكنهم اضطروا في نهاية الأمر أن يستجيبوا لإلحاحها ، فقامت بأولى مهامها الميدانية وكانت لمدة يومين قضتها في الحقول النفطية المغمورة ، وبهذه الخطوة استطاعت سارة أن تكسر القيود الكثيرة التي فرضتها شركة نفط الكويت على عملها كمهندسة ، وأن تخلق لنفسها صيتا ووضعا متميزًا .
غير أن شهرة سارة على صعيد الكويت وإقليم الخليج والعالم ، لم يتأت من هذه الواقعة ، وإنما جاءتها من الدور المتميز الذي قامت به ، مع زملائها المهندسين الكويتيين والأجانب ، وفرق الإطفاء الدولية المتخصصة ، في إطفاء نيران أكثر من 700 بئر نفطية من تلك التي أحرقتها قوات الغزو العراقي للكويت في عام 1991م .
وكان فريق الإطفاء الكويتي الذي عملت المهندسة سارة الأكبر ضمنه ، تمكن من إخماد 41 بئرا من الآبار المشتعلة ، خلال فترة قياسية لم تتعد 40 يومًا وقد بدأ هذا الفريق عمله في 11سبتمبر عام 1991م ، وذلك بعد ستة أشهر من بدء عملية الإطفاء ، وهي الفترة التي استغرقها تدريب الفريق على تلك العملية .
وقد قالت سارة أكبر عن هذا الحدث : صدرتْ لنا أوامر من القيادة العليا ، أنْ نبقى في أماكننا لمحاولة تقليل الخسائر ، وكان لابد من استمرارنا في العمل لأن محطات الماء والكهرباء تعتمد على ما ننتجه ، فإذا توقف الإنتاج فإن الماء والكهرباء سيتوقفان ، كانت مهمتنا أساسية من أجل حياة الكويتيين الباقين في الكويت .
وتقول أيضًا سارة أكبر عن هذا الحدث : كنا حوالي أربعين شخصًا ، نرسل تقارير يومية للقيادة الكويتية في الخارج عن كل ما يحدث داخل الشركة ، لقد بقيت أعمل حتى يوم 15 يناير عام 1991م ، وشاهدتُ أثناء ذلك تلغيم آبار البترول في أول أسبوع بعد الغزو ، كما شاهدت تفجيرها قبل رحيل العراقيين .
نجاحات ومناصب المهندسة سارة أكبر:
بعد تجربة فترة الاحتلال التي عاشتها سارة أكبر ومن بعدها الانتصار ، تحولت إلى ناشطة اجتماعية تتبنى الكثير من المواقف والأفكار ، التي لم تكن تعبر عنها سابقًا ، مثل دعوتها لتمكين المرأة العربية للمشاركة في اتخاذ القرارات على أعلى المستويات ، وباتت تنتقد صراحة الأداء البيروقراطي الحكومي القاتل للطموحات الشابة .
ووصفت قطاع النفط الكويتي بالمترهل الذي يحتاج بناؤه من جديد ، سواء على مستوى البشر أو المنشآت والبنية التحتية ، وصارت تدعو قريناتها إلى الانخراط في منظمات المجتمع المدني ، وجمعياته ، والمشاركة في إبداء الرأي .
وقد شغلت المهندسة سارة أكبر عدة مناصب ففي بداية مشوارها المهني عملت في عدة شركات نفطية مغمورة ، وفي عام 1991م عملت منسقاً للمعلومات المطلوبة من فرق الإطفاء العالمية التي حضرت إلى الكويت لتقديم المساعدة في عمليات الآبار النفطية التي أشعلها جنود النظام العراقي .
في عام 1996م وحتى عام 2004م شغلت سارة أكبر منصبي مديرة التطوير ومديرة التخطيط ، في الشركة الكويتية للاستكشافات البترولية الخارجية كوفيبيك ، وفي عام 2004م وحتى عام 2009م شغلت سارة أكبر منصب مدير مجلس إدارة الشركة الكويتية لنفط الخليج .
وقد أسست سارة مشروعها الخاص المتجسد في شركة كويت إينرجي ، في يوليو 2005م ، وصارت مذاك تشغل فيها منصب رئيسة المديرين التنفيذيين ، وهذه الشركة التي تقوم بالتنقيب عن النفط والغاز وحفر الآبار ، والإنتاج وتتركز استثماراتها حاليا في مصر واليمن وأوكرانيا .
وقد انتمت أيضًا سارة الأكبر إلى عدة جمعيات مهنية منها : في عام 1989م كانت عضو في تجمع مهندسي البترول ، وفي عام 1992م وحتى 1996م عضو في تجمع المهندسين الكويتيين ، وفي عام 2001م انتمت إلى عضوية مجلس إدارة تجمع مهندسي البترول في الولايات المتحدة الأمريكية ، بالإضافة لعضويتها في مجلس إدارة شركة التنقيب الكويتية احترافيًا ، وعضو في التجمع العالمي لمساومي البترول .
كما شاركت المهندسة سارة أكبر في اجتماع الرؤساء التنفيذيين للشركات النفطية الذي عقد في الولايات المتحدة في عام 2008م ، وقد حضره ممثلون من 35 دولة ، حيث عاملها الحضور باحترام كبير لأنها كانت المرة الأولى التي تشارك سيدة في اجتماع لمديري شركات النفط العالمية الكبرى .
لم تؤثر حياة المهندسة سارة الأكبر المهنية على حياتها العائلية ، فهي متزوجة من المواطن البحريني سيد حبيب الشهابي الذي يعمل موظفا في بنك هولندا العام بالمنامة ، ولديها منه أبناء .
جوائز وتكريمات المهندسة سارة أكبر :
نالت المهندسة سارة أكبر على جائزة من الأمم المتحدة في عام 1993م ، لدورها المشهود في مكافحة أخطر جريمة بيئية في العالم .
أطلق عليها وزير التعليم العالي الكويتي الأسبق المرحوم الدكتور أحمد الربعي لقب (سيدة الكويت الحديدية) ، حينما خاطبها رحمه الله قائلًا : أنت أحق من مارغريت تاتشر بلقب المرأة الحديدية .
أشادت بها صحيفة الفاينانشال تايمز في عددها ليوم 30 أكتوبر عام 1991م ، لدورها في إخفاء أشرطة الميكروفيلم والتقارير السرية الخاصة بشركة نفط الكويت عن العراقيين ، وقيامها من أجل ذلك بالتسلل إلى مقر الشركة في الأحمدي ، رغم الحصار المفروض على المقر من قبل القوات العراقية الغازية .
وفي عام 2013م ، اختيرت المهندسة سارة أكبر من قبل مجلة (غولف بيزنيس) كواحدة من بين الشخصيات المائة الأكثر نفوذا ، وتأثيرا في العالم العربي في ذلك العام ، علما بأن القائمة تضمنت أسماء تسع سيدات كويتيات أخريات .
إنها المهندسة سارة حسين أكبر ، التي دخلت التاريخ كواحدة من أوائل نساء الخليج العاملات في قطاع النفط ، إنْ لم تكن مهندسة البترول الأولى على الإطلاق في الكويت ، وهذه السيدة التي عملت نحو ربع قرن في وزارة البترول الكويتية ، قبل أن تترك وظيفتها الحكومية ، وتؤسس لنفسها شركتها الخاصة منذ عام 2005م ، هي مثال للمرأة العربية المشرفة لوطنها الكويت ، وللعالم العربي أجمع ، فهي من النساء العربيات التي تحدين الظروف والعواقب للوصول للنجاح الباهر .