قصة سيدنا عمر بن الخطاب مع الأمير النصراني
جاء جبلة بن الأيهم وهو أمير نصراني من الغساسنة هداه الله إلى الإسلام ليحج في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ومعه خمسمائة فارس من حاشيته وحراسته يلبسون ملابس الإحرام ولكنها ليست كملابسنا فقد كانت مطرزة كلها بالذهب والفضة .
وبينما هو يطوف بالكعبة داس أعرابي بسيط من قبيلة الأزد على رداء الأمير الغساني فانحل الإزار ، وما كان من الأمير الغساني قوي البنية إلا أن رفع يده ولطم الرجل على وجهه فهشم أنفه .
فذهب الأعرابي إلى سيدنا عمر واشتكى له ما حدث من الأمير والدم يسيل على وجهه ، فأرسل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى جبلة بن الأيهم الأمير بن الأمراء ، وقال له يا جبلة : هل لطمت هذا الرجل على وجهه ؟
فقال جبلة يريد أن يوضح ما حدث : لقد ، فقاطعه عمر بن الخطاب رشي الله عنه وقال يا جبلة هل لطمت هذا الرجل نعم أم لا ؟ فقال جبلة بن الأيهم نعم ، فقال خليفة المسلمين عمر بن الخطاب : وقد أقررت ؟ لا بد إذن من القصاص كما لطمته على وجهه أمام الناس يلطمك على وجهك أمام الناس .
فقال جبلة : يا أمير المؤمنين أنا أميرٌ وهذا من السوقه ، فقال سيدنا عمر بن الخطاب : قد سوى الإسلام بينكم يا جبلة فقال جبلة : لقد كنت أظن أن الإسلام يرفعني مكانة ولا يجعلني أهان ، فقد كنت في الجاهلية أمر وأنهي أما الأن أتريد أن ألطم وأنا أمير أمام الناس ؟
فقال سيدنا عمر بن الخطاب : يا جبلة لا يفرق بينكما إلا العافية ، فقد عافاك الله من الفقر وأعطاك جاهًا وسلطانًا وحاشية ، فطلب جبلة من سيدنا عمر أن يتركه إلى الغد حتى ينظر في أمر لطم الأعرابي له أمام الناس .
وفي جنح الليل فر جبلة والخمسمائة فارس ولحقوا بالقسطنطينية وهناك احتموا بهرقل ، وتنصر جبلة مرة ثانية خوفًا من لطمة الأعرابي وحكم عمر ، ولما دارت الأيام وبلغ جبلة بموت سيدنا عمر رضي الله عنه قال متحسرًا على تنصره :
تنصّـرَتِ الأمــلاكُ مــن أجــل لطـمـة *** وما كان فيها لـو صبَـرتُ لهـا ضـرَرْ
تَكـنّـفـنَـي فـيــهــا لــجـــاج ونــخـــوة *** فكنـتُ كمـن بـاع الصحيحـة بالـعَـوَرْ
فـيـا لـيـت أُمــي لــم تَلـدْنـي وليـتـنـي *** رجعتُ الـى القـول الـذي قالـهُ عمـرْ
وياليتـنـي أَرْعــى المَـخَـاضَ بـقَـفْـرهِ *** وكنـت غريبـاً فــي ربيـعـةَ أو مُـضَـر
وياليـت لــي بالـشـام أدنــى معيـشـةٍ *** أُُجاورُ قومي ذاهبَ السمـع والبَصـرْ
أديــنُ بـمـا دانــوا بــهِ مــن شريـعـةٍ *** وقد يصبِرُ العَودُ الضجُر على الديَرْ
ويقال أن جبلة بعدها عاد إلى الإسلام مرة ثانية وحسن إسلامه ، فقد كان موقف عمر رضي الله عنه معه غاية في العدل والإنصاف ، فلم يقل كيف لأمير أن يلطم من فقير بل قال كلكم سواسية عند رب العرش الكبير ، فرحم الله القاسط العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فلو حصرت أعماله في الخير ما انتهت ، ولو كتبت عن سمته الأحبار ما انتهت فبارك الله في رجالٍ كان من بينهم عمر .