قصص عالمية

قصة مطر خريفي | قصص

ADVERTISEMENT

في عمق روحي تراءت لي رؤية ، قوامها نار حمراء تتهاوى على جبال حمراء بفعل وريقات الشجر الخريفية ، وفي حقيقة الأمر إنني رأيتها في واد ، كان هذا الوادي عميقًا ، شمخت الجبال سامقة على ضفتي النهر ، ولم يكن بمقدروي رؤية السماء في الأعالي ، ما لم أتطلع عاليًا وبشكل مستقيم ، كانت السماء لا تزال زرقاء ولكن الغسق كان يوشيها.

نبذة عن المؤلف :
قصة من روائع الأدب الياباني ، للأديب الياباني ياسوناري كاواباتا  الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1968م بداية كتاباته أثناء دراسته الجامعيه في جامعة طوكيو الإمبراطورية ، ففيها نشر قصته القصيرة الأولى مشهد من جلسة أرواح ، بدأ كواباتا بلفت الانتباه إليه ، بعد تخرجه من الكلية في مارس عام 1924م بفترة قصيرة كتب كواباتا أكثر من مئة وأربعين قصة قصيرة ، كان يطلق عليها قصص كف اليد لقصرها .

صمت ألوان الخريف :
كسا الوشي نفسه أحجار الوادي البيضاء ، ترى هل ملأ صمت ألوان الخريف ، في كل مكان حولي جسمي فجعلني أحس بالغسق على نحو مبكر ؟ تدفق نهر الوادي متخذا لونا نيليا قاتما ، وعندما دهشت عيناي لعدم انعكاس أوراق شجر الخريف في لون النهر العميق ، لاحظت النار وهي تنحدر في الماء .

الرؤية والسفر :
لم يبد أن النار تلوح كما لو كانت تمطر ، أو أن ترابا ناريا يتهاوى ، وكل ما هنالك أنها تألقت فوق الماء ولكنها بالتأكيد كانت تتهاوى وسقطت جزيئاتها النارية في الماء النيلي واختفت ، ولم أستطع رؤية النار وهي تسقط أمام الجبال ، بسبب الوريقات الحمراء على الأشجار الجبلية ، ولذا فقد تطلعت عاليا للتدقيق في السماء فوق الجبال .

ورأيت الجزيئات النارية ، وهي تتهاوى بمعدل مدهش ، وربما لأن الجزيئات النارية كانت تتحرك ، فقد بدا شريط السماء الضيق أقرب إلى نهر يتدفق بين الضفتين ، وقد شكلته الأماد الجبلية … أرخى الليل سدوله ، وكانت هذه هي الرؤية التي تراءت لي ، عندما غفوت في قطار سريع يشق طريقه إلى كيوتو .

طفلة جميلة :
كنت في طريقي إلى فندق في كيوتو لرؤية إحدى فتاتين ظلتا في ذاكرتي ، طوال خمسة عشر عامًا ، أو ستة عشر عامًا ، منذ كنت في المستشفى لإجراء عملية حصاة صفراوية ، كان إحداهما وليدة رأت الدنيا من دون أنبوب لنقل الصفراء ، ولما كانت مثل هذه الطفلة لن يقدر لها أن تحيا بغير هذا الأنبوب إلا قرابة عام واحد ، فقد أجريت لها جراحة لتوصيل كبدها بالحويصلة الصفراوية ، عن طريق أنبوب صناعي ، وقد دنوب من أمها ، وهي تقف في القاعة ، محتضنة وليدتها وحادثتها ، وأنا أتطلع إلى الوليدة : كل شيء على ما يرام ، يا لها من طفلة جميلة !

الأطفال داخل المستشفى :
قالت أمها في هدوء : شكرا لك ، يقول الطبيب أنها لن تعيش إلى ما يتجاوز اليوم أو الغد ، ولذا فأنني في انتظار من يقلنا إلى الدار ، أغفت الوليدة في سلام ، وقد انفتح الكيمونو المزخرف بصور زهور الكامليا الذي ترتديه برهافة عن صدرها ، ربما بسبب الأربطة المتبقية من الجراحة ، صدرت ملاحظتي التي لم يواكبها التوفيق من المشاعر المتراخية التي تشيع بين المرضى في المستشفى حيال بعضهم البعض .

ولكن كان هناك الكثير من الأطفال الذين أقبلوا على هذا المستشفى لإجراء عمليات القلب ، وقبيل إجراءهم جراحتهم ، فإنهم يمرحون في القاعات ، ويلعبون في المصعد ، هابطين به ، وغالبًا ما كنت أحادث هؤلاء الأطفال .

طفلة المصعد الغاضبة :
كانت أعمارهم تتراوح بين الخامسة والسابعة أو الثامنة من العمر ، فمن الأفضل معالجة ضرر خلقي بينما الطفل لايزال صغيرًا ، وإذا لم يقم المرء بذلك ، فإن الطفل قد يموت صغيرًا ، وقد لفتت طفلة من هؤلاء الأطفال انتباهي بصفة خاصة ، وعندما كنت أمضي إلى المصعد ، عادة ما كانت هذه الطفلة هناك ، وعلى الدوام كان يبدو عليها الضيق ، وتقعد في ركن المصعد وسط أقدام الكبار ، وتتألق عيناها المتوترتان ويتكور في فمها الموحي بالعناد ، وعندما سألت الممرضة عنها .

قالت ان هذه الطفلة تستخدم المصعد ساعتين أو ثلاث ساعات يوميا ، وحتى عندما تجلس على الأريكة في القاعة ، فان التعبير الغاضب نفسه يرتسم على محياها ، وعلى الرغم من أنني كنت أحدثها ، الا أن عينيها لم تتغير قط ، قلت للمرضة : من المؤكد أن الطفلة ستتحسن حالتها ؟! ولم أرى الطفلة بعد ذلك !

الدار والموت :
سألت الممرضة : هل أجريت لها عملية جراحه ، أليس كذلك ؟كيف كانت النتيجة ؟ أجابت : لقد عادت إلى دارها ، من دون اجراء جراحة ، فقد رأت في الفراش المجاور لفراشها طفل يموت ، ولذا قالت : لن أعود إلى هنا ، سوف أعود للدار ، ولم تصغ لأحد … قلت : احم احم ، لكن ألن تموت الصغيرة ؟

موسيقى تعزف :
كنت الآن في طريقي إلى كيوتو لرؤية الفتاة ، التي أصبحت الآن في ريعان شبابها ، لدى سماعي صوت المطر ، وهو يلطم نافذة القطار ، استيقظت من حالة شبه الحلم ، التي كنت في غمارها ، تبددت الرؤية وأدركت أن المطر مضي يلطم النافذة ، عندما بدأت أغفو ، ولكنه بدا وكأنه حدته قد اشتدت مع قيام الريح بدفع القطرات بقوة نحو الزجاج ، كان هناك قطرات انتقلت من طرف النافذة إلى الطرف المقابل .

توقفت للحظة ثم تحركت ، كان بمقدوري أن أرى إيقاع مع تحرك مجموعة القطرات ، بحيث تسيق مجموعة أخرى ، ومع سقوط مجموعة أكثر ارتفاعًا إلى مادون مجموعة منخفضة  ، أو مع تدفقها جميعًا معاً ، راسمه خطا واحدًا عبر النافذة ، كان مقدوري سماع موسيقى تعزف … كانت رؤيتي للنار تتهاوى على الجبال الخريفية رؤية مجردة من الصوت كلية ، ولكنني تصورت ان موسيقي القطرات التي تلطم الزجاج وتتدفق على امتداده ، هي التي أصبحت رؤيتي للنار المتهاوية .

عارضة أزياء :
وكنت قد دعيت من قبل تاجر لحضور عرض للكيمونو بمناسبة العام الجديد ، سيقام بعد يومين من الآن في إحدى القاعات بكيوتو ، وكان اسم أحد العارضات هو بيبو ريتسوكو ، ولم أكن قد نسيت اسم تلك الطفلة الصغيرة ، ولكنني لم أدرك أنها أصبحت عارضة أزياء ، وفي هذه المرة كنت أمضي إلى كيوتو لأرى ريستوكو بأكثر مما مضى اليها لمشاهدة أشجار القيقب .

في البهو :
مضى المطر ينهل من السماء في اليوم التالي ، لذا عكفت على مشاهدة التلفزيون في البهو في الأصيل ، بدا البهو أقرب إلى قاعة من قاعات حفلات الزفاف ، وكانت جماعتان أو ثلاث جماعات من المدعوين إلى حفل الزفاف تقف على أرجائها ، ومرت بها كذلك عرائس ارتدين زي عرسهن بكامل أبهته ، وبين الحين والآخر كنت أتطلع ورائي لأرى زوجين تلتقط لهما الصور بعد مراسم الاحتفال .

حفل زفاف :
حياني التاجر الذي دعاني إلى هناك ، وسألته عما إذا كانت بيبو ريستوكو ، في الفندق بالفعل ، فانتحى بي جانبا في التو ، فقد كانت فتاة شابة ترمق باهتمام عروسًا وعريسًا تلتقط صورتهما أمام نافذة ضببها المطر ، وكانت تلك هي ريستوكو وبدت شفتاها متكورتين من جراء ضغط عصبي عليهما ، تراجعت وترددت ، أردت أن أحادثها ، أن أسأل هذه الفتاة الفارعة الجميلة عما إذا كانت تتذكرني ؟  همس التاجر في أذني : كل هذا لأننا سنجعل تلك الفتاة ترتدي ثوب الزفاف غدًا .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby