قصص اسلامية

قصة النجاشي أصمحة بن أبجر

ADVERTISEMENT

عَلَمُنَا هذا راسل النبي عليه الصلاة والسلام ، وراسله النبي صلَّ الله عليه وسلم ، ولمَّا لحق بالرفيق الأعلى صلَّى الرسول صلَّ الله عليه وسلم  صلاة الغائب ولم يصلِّ على غائب سواه .

كان والده ملكًا للأحباش ولم يكن له ولد سواه ، فرأى بعض زعماء الحبشة أن سيفُت في عضده وهو حي ، ويقضي على مُلكه إذا مات ، وسيسوقهم إلى ما لا تُحمد عُقباه ، فبدأ الشيطان يوسوس لهم قتل ملكهم وتمليك أخاه ؛ لأن له اثنى عشر ولدًا يؤازرانه في حياته ويرثونه بعد مماته ، ومازال الشيطان يوسوس لهم حتى قتلوه وبايعوا أخاه .

فنشأ الفتى في كنف عمه ، وأخذت براعمه تتفتح عن ذكاء لامع ، وحزم رائع ، وبيان مشرق ، وشخصية فذة ، حتى ملأ فؤاد عمه إعجابًا به ، وتقديرًا لمزاياه ، وتفضيلًا له على أبنائه .

فبدأ الشيطان يوسوس مرة أخرى لسادة الأحباش ، وذلك لخوفهم من أن يُفضي العم إلى ابن أخيه بالمُلك ؛ فينتقم منهم أشد انتقام لقتلهم والده ، فمضوا إلى ملكهم وشرحوا له ما في قلوبهم من فزع ، وأنه لن تطمئن قلوبهم وتطيب أنفسهم إلا بقتل الشاب ابن الملك المقتول .

فما كان من الملك أن قال لهم : بئس القوم أنتم لقد قتلتم أباه بالأمس ، وتطلبون مني اليوم أن أقتله ، والله لا أفعل ؛ فاقترحوا عليه إخراجه من بلادهم ؛ فأذعن لهم على كُرهٍ منه وعجز .

ولم يمض الكثير على إبعاد الفتى حتى وقع ما لم يكن في الحسبان فلقد تلبَّد الأفق بالغيوم الداكنة ، وهاجت السماء بالصواعق وماجت ، ثم سقطت إحداها على عمه الحزين على فراقه ؛ فاردته قتيلًا .

فهبَّوا إلى أولاد الملك ؛ ليعهدوا إلى واحد منهم بالمُلك ، فلم يجدوا منهم خيرًا ، فاشتد عليهم الكرب ، وضاق في وجوههم الأمر ، وقد زادهم ضيقًا وكربًا أن بعض الشعوب المجاورة لهم همَّت باغتنام الرفصة وبدأت في غزو ديارهم .

فقال بعضهم لبعض : والله إنه لا يقيم أمر بلادكم ، ويحفظ المُلك لكم إلا الفتى الذي رميتموه بالأمس ، فإن كان لكم في هذا الأمر حاجة فأدركوه ، وأعيدوه ؛ فخرجوا في طلبه ، ولمَّا أعادوه إلى وطنه وضعوا على رأسه التاج ، وبايعوه بالمُلك ، ودعوه بالنجاشي ، فساس البلاد بالحكمة ، والحنكة ، وأراح العباد من الاضطراب والفوضى ، وملأ الحبشة عدلًا وخيرًا بعد أن امتلأت ظلمًا وشرًا .

ولم يكد يستقر في المُلك حتى بعث الله النبي الأمين صلَّ الله عليه وسلم بدين الحق ، وأخذ المهديُّون السَّابقون إلى الإسلام يستجيبون له واحدًا تلو الأخر ، وبدأت حينها مرحلة أذى قريش للمسلمين وما لا قوة على أيدي سادتها من ظلم وتعذيب .

ولَّما ضاقت عليهم مكة بما رحبت ، وأنزل بهم المشركون من الأذى ما يُزلزل الصُمَّ الصلاب ، فأذن لهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه بالهجرة إلى الحبشة  ؛ فإن فيها ملكًا يُظلم أحدٌ عنده .

مضى ركب المهاجرين الأوَّلين إلى أرض الملك العادل ، وكانوا ثمانين بين رجال ونساء ؛ فتذوقوا لأول مرة طعم الأمن والاستقرار ، وتمتعوا بحلاوة التقى والعبادة ، دون أن يُعكر صفو عبادتهم مُعكر أو يُكدر حلاوة إيمانهم مُكدر .

لم ترض قريش بذلك للمسلمين فبعثت بأذكى رجالها وأحنكهم وهما عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص ، وأرسلت إليهم من الهدايا أقيمها وأكثرها ، وبدؤوا في شرح ما جاءوا من أجله وهو تسليم من وصل من المسلمين إلى أراضيهم .

فلم يصدر من الملك العادل إلا اعتراضه على تسليم المسلمين – بالرغم من موافقة بطارقته – إلا بعد سماع كلامهم ، والوقوف على العقيدة التي يحملونها في صدورهم ؛ فإن كانت شرًا أمر بتسلميهم ، وإن كانت خيرًا حامهم وأحسن جوارهم ما داموا في بلاده .

وبعد أن سمع كلام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عن الدين الحنيف ، وسمع ما رتَّله عليه من سورة مريم بكى النجاشي حتى ابتلت لحيته ، وبكى أساقفته حتى ابتلت مصاحفهم ، ورفض رفضًا قاطعًا تسليم المسلمين الذين وصلوا لبلاده .

وتمضي الأيام وتتوثق علاقة النجاشي بالرسول صلَّ الله عليه وسلم بدخوله الإسلام عندما بعث إليه برسوله عمرو بن أمية ، فما إن دخل إلى الإسلام حتى وكَّله الرسول صلَّ الله عليه وسلم ليزوَّجه رملة بنت أبي سفيان ، والتي كانت من المهاجرين إلى الحبشة .

فبعث النجاشي إليه وأخبرها بالأمر ؛ ففرحت فرحًا شديدًا ، ووكلت عنها خالد بن سعيد بن العاص ، وفي قصره اجتمع الصحاب ؛ ليشهدوا العقد رملة بنت سفيان على الرسول صلَّ الله عليه وسلم .

قام النجاشي بإعداد السفن لحمل أم المؤمنين رضوان الله عليها ، وابنتها حبيبة ، ومعهن المسلمون ممن بقي عنده ، كما أرسل معهم الأحباش المسلمين المتشوقين لرؤية النبي صلَّ الله عليه وسلم , وحمَّلهم بعض الهدايا للرسول عليه الصلاة والسلام .

وقبيل فتح مكة بقليل تُوفي النجاشي ؛ فصلَّى الرسول صلَّ الله عليه وسلم صلاة الغائب عليه ، رضي الله عنه وأرضاه ، ورزقه جنَّات الخلد  ، فلقد قوَّى المسلمين الذين لجئوا إليه ، وأمنهم من خوف ابتغاء مرضاة الله جلَّ وعلا .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby