قصص حروب

قصة الحرب الصليبية على تونس

ADVERTISEMENT

كانت سيادة تونس تابعة للموحدين بالمغرب الأقصى ، ولكن عندما ثار ابن غانية بتونس على الموحدين ، توجه إليه أمر الموحدين الناصر بن المنصور ، من مراكش وقضى عليه ، وقبل عودته إلى مراكش اختار أبا محمد عبد الواحد بن أبي حفص ، للولاية على أفريقية أو تونس ، فتقلد ولايتها منذ 603هـ وحتى 618هـ ، ولما تولى ابنه أبو زكرياء الأول عام 625هـ ، ساد الاضطراب دولة الموحدين بالمغرب الأقصى ، فاستبد أبو زكرياء بإمارة أفريقية عام 632هـ ، وتمت مبايعته على ذلك .

ثم ضم إليه قسطنطينة وتلمسان وبجاية ، واتجهت الأنظار بالمغرب الإسلامي إليه ، فجاءته البيعة من ملوك الأندلس وخطبوا له واستغاث به البعض ، من بين هؤلاء الملوك لرد كيد النصارى ، كما اعترف به الكثير من المدن بالمغرب الإسلامي ، وأصبحت تونس العاصمة هي القبلة ، لكل القاصدين والمنتجعين وملجأ المهاجرين .

ونظم أبو زكرياء الأول علاقات تجارية مع الجمهوريات الإيطالية ، البندقية وبيزة وجنوة ، وكانت له علاقات مع الإمبراطور فريدريك الثاني ، ملك صقلية الذي عين له سفيرًا بتونس ، كما عقدت معاهدة بين الطرفين ، التزم فيها أبو زكرياء بدفع أداء سنوي مقابل حرية سفنه التجارية ، والاتجار في مناطق سيادة الإمبراطور الألماني .

حملة لويز التاسع على تونس عام 1270م :
عندما ترامت الأخبار إلى فرنسا ، بالضربات القاسية التي يكيلها الظاهر بيبرس إلى الصليبيين في البلاد الشامية ، عادت إلى الملك لويز التاسع الحمية الدينية ، ونسى ما قطعه من عهد بعدم الرجوع إلى محاربة المسلمين ، فقرر أن يقوم بحملة صليبية جديدة ، رغم الهزائم والأتعاب التي قاساها في حملته الصليبية الأولى .

وقد كان المقصد الأصلي من هذه الصليبية الجديدة ، هو الاتجاه إلى المشرق الإسلامي ، حيث اشتد الخطر على الصليبيين ، إلا أن حدثًا جديدًا حول هذه الصليبية عن اتجاهها الأصلي ، فاتجهت إلى تونس عوضًا عن الاتجاه صوب مصر أو الشام .

فإذا كانت الصليبية الرابعة قد حول اتجاهها ، دوق البندقية لمصالحه الشخصية ، فإن هذه الصليبية قد حول اتجاهها واستغلها شارل دانجو ، عدو المستنصر الحفصي ، وأخو لويز التاسع ثائد الحملة .

لقد تمكن شارل دانجو من التأثير على شقيقه لويز ، وأقنعه بضرورة التوجه صوب تونس ، التي أصبح ملكها يلقب يأمير المؤمنين وخليفة المسلمين ، وفي ذلك إشباعًا للعاطفة الدينية ، مع إمكان التحول عن الأماكن المقدسة من هناك ، وافتكاكها من أيدي المسلمين المستولين عليها .

ونجح شارل دانجو في مسعاه ، فاتجه لويز التاسع إلى تونس تنفيذًا لخطة شقيقه ومراميه الشخصية ، لعله بذلك يسترد حقه الذي ادعاه ، ويتغلب على خصمه المستنصر بالله الحفصي .

نزول الصليبيين إلى قرطاجة :
علم المستنصر بالله بوجود الصليبيين في تونس ، فعقد مجلس شورته لبحث كيفية لقاء الصليبيين ، فهل يسمح لهم بالنزول أو يصدون عنه ، وأخيرًا استقر الرأي على أن يسمح لهم بالنزول مخافة أن ينزلوا في مكان آخر غير حصين ، ولا مستعد لقتال ، وقد أخذ المستنصر يستعد لهذا اللقاء ، فبعث بالنفير لأطراف مملكته ، فجاءت نجدات من مختلف الجهات .

وفي نهاية لعام أرست أساطيل لويز التاسع أمام مدينة قرطاجية العتيقة ، وأنزلوا عساكرهم بها ، وبدؤا في تخريبها بداية من الأسوار المائلة ، والألواح الخشبية والشرفات العتيقة ، وأداروا على السور خندقًا بعيد المهوى ، وكانت عدتهم تبلغ ستة آلاف فارس ، وثلاثين ألفًا من الرجّالة .

كانت خطة المستنصر بالله تقتضي ، أن يدافع ويحاصر الصليبيين ولكن دون مهاجمتهم ، وكان جيشه يتكون من الموحدين والمتطوعين وعدد كبير من جنوده ، فملئت سواحل رية رادس بالجند تحت قيادة محمد بن أبي الحسين ، رئيس الدولة .

ولم تقع بين الفريقين معارك ذات أهمية ، سوى المعركة التي وقعت أول محرم عام 669هـ ، والتي راح ضحيتها أعداد كبيرة من الفريقين ، وفاجأ الجنود المرابطون الجانب الصليبي ، بسلوكهم طريق البحيرة حتى وصلوا إلى معسكرهم ، من طريق مختلف وظفروا من الصليبيين بعض الشيء ، وأقاموا حراسة لهم من جانب البحيرة .

موت لويز التاسع:
طالت محاصرة الصليبيين حتى نالهم التعب والجوع ، ونالت منهم الأوبئة والتي انتقلت إلى الملك لويز التاسع أيضًا ، فمات متأثرًا بها ، وكان ذلك في نفس اليوم الذي وصل فيه شقيقه ، شارل دانجو والذي كان يرغب في خوض المعركة مع المسلمين ، إلا أن مرض فيليب ابن لويز التاسع ، وعزم العرب المتطوعة عن خوض الحرب أيضًا ، كانت كلها عوامل دفعت كل من شارل والمستنصر بالله ، للميل إلى الصلح وجرت المفاوضات التي انتهت بالصلح .

وبإتمام عقد الصلح ، اتصل الفريقان اتصالاً سلميًا ، ودخل المسلمون محلات النصارى ، وباعوا واشتروا منهم ، حيث كانت مدة إقامتهم بتونس أربعة أشهر وعشرة أيام ، ثم أقلعت القوات الصليبية عن تونس ، عقب فترة يسيرة من إتمام الصلح ، وصادفتهم عاصفة شديدة أتت على الكثير من السفن والرجال ، ووصلت البقية إلى صقلية سالمة .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby