قصص حروب

قصة فتح البصرة وتمصيرها | قصص

ADVERTISEMENT

شكّل قطاع الأبلة والبصرة والأهواز جبهة قتالية مساندة تزامنت أحداثها مع فتح المدائن وما تفرغ عنه ، لقد أراد عمر بن الخطاب أن يفتح جبهة ثانية ضد يزدجرد الذي كان يقاتل انطلاقًا من المدائن ، لتخفيف الضغط عن هذه الجبهة ، فأرسل عتبة بن غزوان المازني إلى البصرة في أواخر ذي القعدة عام 15 هجريًا ، الموافق أواخر ديسمبر عام 636م .

أهداف عمر بن الخطاب في البصرة :
وحدد له هدفين : الأول حجز القوات الفارسية في هذه المنطقة ومنعها من التحرك شمالاً لمساعدة جبهة المدائن ، والهدف الثاني : فتح الأبلة ، لأن سقوطها سوف يربك الفرس ويزيد الوضع الفارسي سوءًا ، وأمره أن يدعو القوم إلى الإسلام ، فمن أجابه قبل منه ، ومن أبى فالجزية عن صغار وذلة ، وإلا فالسيف في غير هوادة .

وصول عتبة إلى خريبة :
وصل عتبة بن غزوان المازني إلى خريبة ، في شهر ربيع الآخر عام 16هجريًا ، الموافق ابريل عام 637م ، على رأس ثمانمائة مقاتل ، وعسكر في أقصى البر في أرض العرب وأدنى أرض الريف من أرض العجم ، على مقربة من البصرة اليوم ، وبها حامية فارسية مهمتها منع غارات المسلمين على الأبلة مرفأ التجارة وقصبة الهند .

هزيمة الفرس أمام جيش المسلمين والاحتماء في مدينة :
أقام عتبة بضعة أشهر لا يغزو ولا يقاتل ولا يخرج إليه أحد ، والواقع أن الفرس رصدوا تحركات المسلمين على هذه الجبهة الجنوبية لكن لم يكونوا يملكون القوة الكافية للتصدي لهم ، فقبعوا في أماكنهم بانتظار تطورات القتال في الشمال ،فأرسل من أبلغ قائد الحامية : إن ها هنا قومًا معهم راية وهم يريدونك .

وهكذا اضطرت الحامية إلى الخروج من أماكن  تمركزها ، واصطدمت بالقوة الإسلامية ، ولم يمض مقدار (جزر وجزور) إلا وانتصر المسلمون وولّى الفرس منهزمين إلى داخل المدينة واحتموا وراء أسوارها ، وعاد عتبة إلى معسكره .

فتح الأبلة :
ويبدو أن الحامية شعرت بضغط القتال ، وأدركت عدم جدوى الاستمرار في المقاومة ، وبخاصة أن الاتصالات مقطوعة مع الشمال مما يحرمها من طلب الإمدادات ، فانسحبت شمالاً نحو الفرات وعبرته دون قتال ، ودخل عتبة الأبلة وكتب إلى عمر يخبره بالفتح ، وكان ذلك في شهر رجب 16هجريًا ، الموافق أغسطس عام 637م .

العودة إلى البصرة :
وآثار سقوط الأبلة بيد المسلمين قادة النواحي ، ومنهم مرزبان دست ميسان ، فحشد قوة صغيرة واصطدم بهم ، إلا أنه هُزم وولى الأدبار ، واستغل عتبة الوضع السيئ للحاميات الفارسية القليلة العدد بأسفل دجلة والفرات ، لمهاجمتها وطردها من المنطقة ، فتقدم نحو ميسان واشتبك مع الفرس ، في نواحي المذار وأبرقباذ ، وهزمهم وعاد إلى البصرة .

تمصير البصرة :
بالقدر الذي تحولت فيه عمليات الفتوح في العراق وفي الأقطار الأخرى ، بعد ذلك ، إلى حالة دائمة ومستقرة ، أخذت تتوضح بذات القدر ملامح تنظيم جديد يحل محل أشكال الاستقرار الطارئة والعفوية والمحلية التي كانت سائدة في البداية ، فمن البديهي أن العرب وقد غادروا الجزيرة العربية كمحاربين ، فإن التجمعات السكانية في المدن والقرى المفتوحة ظلت كالسابق ، مقتصرة على سكانها الأصليين دون اختلاط بين هؤلاء والعرب .

العنصر المقاتل في الدولة :
فقد كان الخليفة حريصًا على أن يكون هذا العنصر المقاتل في الدولة من العرب وحدهم ، وهذا أمر طبيعي في وقت لم يكن فيه إسلام الشعوب الخاضعة لهم قد طرح جديًا في تلك المرحلة المبكرة ، وبهدف الاحتفاظ بشدة الروح القتالية لدى العرب ، عمد الخليفة  إلى إبعاد هؤلاء عن المراكز الحضارية ، خارج الجزيرة العربية ، وتجميعهم في قواعد عسكرية يتم اختيارها عادة على شواطئ الأنهار ، وهي قريبة الشبه بالقواعد العسكرية ، من حيث المهمات المنوطة بها ودورها في خطط الفتوح .

اختيار موضع البصرة :
كانت قاعدة البصرة في جنوبي العراق من أقدم هذه الأمصار ، وكان عمر بن الخطاب ، لكي يحمي البلاد من الجهات الفارسية الارتدادية ، قد كلّف عتبة بن غزوان بإقامة مدينة قريبة من ميناء الأبلة ، حيث كانت ترسو سفن فارس والهند ، وقد وصف له طبيعة الأرض وموقعها : (اجمع أصحابك في موضع واحد ، ولكن قريبًا من الماء والمرعى ، واكتب إلىّ بصفته ، فاختار موضع البصرة وكتب إلى الخليفة بصفته فاستحسنه واطمأن إلى موقعه) ، والواقعان هذا المكان كان ميدانًا قفرًا به حصى وحجارة ، محاطًا بالماء والكلأ ، فهو مناسب تمامًا لطبيعة العربي .

ثغر العراق على الخليج العربي :
وضع عتبة أساس المدينة وبنى المسجد الجامع من القصب ، وكذلك بنى الناس منازلهم ، وكلّف عاصما بن دلف لينزل القبائل في مواضعها ، وتمّ بناء المباني الخاصة بدوائر الحكومة والإدارة ، وفي عام 17هجريًا ، الموافق 638م ، واندلعت النار في المكان ، فاحترقت أكثر البيوت ، فأرسل سعد إلى الخليفة يستأذنه في بناء مبان من اللبن تكون أكثر ثباتًا ، فوافق عمر بن الخطاب لكنه أكّد على ألا يبني الفرد أكثر من ثلاث حجرات في المنزل ، كما أمر بشق قناة تصل المدينة بدجلة ، وأضحت البصرة بعد ذلك ثغر العراق على الخليج العربي .

تخطيط البصرة من جديد :
استأذن عتبة الخليفة في أن يقدم عليه في المدينة ، فأذن له فاستخلف المغيرة بن شعبة على البصرة ، وأقرّ عمر بن الخطاب إمارته ، فظل بها حتى شهر ربيع الأول عام 17هجريًا ، الموافق ابريل عام 638م ، عندما استبدله بأبي موسى الأشعري ، فاختط البصرة من جديد ، وأقام البناء باللبن والطين ووسّع المسجد الجامع ، وجدّد دار الإمارة .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby