قصص عالمية

قصة فتاة سوروجا | قصص

ADVERTISEMENT

أوه ، أتمنى لو أننا كنا نقطن حول جوتنبا ، المسافة ساعة ونصف ساعة .. كان القطار قد وصل إلى جوتنبا ، رفعت الفتاة ركبتيها معًا ، كالجندب وداست على أرضية عربة الركاب ، مضت ، وقد التصق وجهها بالنافذة ترقب مايجري ، بينما زميلاتها في الصف يلوحن تلويحة الوداع على نحو طفولي ، تحدثت كأنها تود أن تهز كثفيها في ضجر .

نبذة عن المؤلف :
هو الأديب الياباني ، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1968م ،  وهو الأديب والروائي ياسوناري كاواباتا ، ولد كاواباتا في أوساكا – اليابان في 14 يونيو عام 1899م ، بداية كتاباته أثناء دراسته الجامعية في جامعة طوكيو الإمبراطورية ، ففيها نشر قصته القصيرة الأولى مشهد من جلسة أرواح ، بدأ كواباتا بلفت الانتباه إليه ، بعد تأليفه لعدة قصص قصيرة وهي بلد الثلج ، طيور الكركي الألف ، ويعد ياسوناري كاواباتا هو الأديب الياباني الذي ترجم له أكبر عدد من الأعمال الياباني إلى اللغة العربية ، توفي كواباتا في 16 ابريل عام 1972م .

قطار وزهور وفتيات :
في جوتنبا يشعر المرء فجأة ، بالوحدة في القطار ، ومن قاموا برحلة طويلة بالقطار المحلي ، وليس بالقطار السريع ، سيعرفون هذا ، في السابعة أو الثامنة صباحًا ، وفي الثانية أو الثالثة من بعد الظهر ، يمتلئ القطار بباقات من الزهور ، ما أشد ما يصبح الجو متألقًا وحافلا بالضجيج مع حشد الفتيات اللواتي يذهبن إلى المدرسة ويعدن منها على متن القطارات ! وما قصر هذا الوقت المترع بالحيوية ! عند المحطة التالية التي لا تبعد مسيرة عشر دقائق ، لا تعود هناك فتاة واحدة على الإطلاق من بين خمسين فتاة ، ومع ذلك ففي رحلاتي بالقطار تلقيت انطباعات بالغة التنوع عن العديد من الفتيات من أماكن مختلفة .

رحلة قصيرة وذكريات :
غير إنني في هذه المرة لم أكن في رحلة طويلة ، وإنما كنت في طريقي من إيزو إلى طوكيو ، كنت في ذلك الوقت أقيم في جبال ايزو ، ومن إيزو تغير القطار في ميشيما لتمضي على خط توكايدو ، وفي قطاري كان هناك على الدوام وقت للزهور ، كانت الفتيات طالبات من مدارس الطالبات في ميشيما ونومازو وقد مضيت إلى طوكيو ، مرة أو مرتين كل شهر .

وفي غضون عام ونصف العام وصلت إلى التعرف إلى عشرين فتاة بمجرد النظر إليهن ، وتذكرت مشاعر ذلك الوقت الذي كنت أمضي فيه إلى مدرستي الثانوية مستقلا القطار ، وانتهى به الأمر إلى أن أعرف بصفة عامة ، أي عربة من القطار تستقبلها هاته الفتيات .

فتاة سوروجا :
في هذه المرة أيضا كنت في العربة الثالثة من ناحية آخر القطار ، وعندما قالت الفتاة : المسافة ساعة ونصف ساعة ، كانت تقصد المسافة بين نومازو وسوروجا ، وقد كانت الفتاة من سوروجا ، ولو أنك ممن مضوا إلى ماوراء ، هاكوني بالقطار لعرفت سوروجا ، فهي مدينة تلوح فيها العاملات بمصنع نسيج كبير الواقع عبر النهر الجبلي بمناديل بيضاء للقطار من نافذة المصنه أو أراضيه .

وربما كانت هذه الفتاة ابنة مهندس أو فني يعمل في شركة التحرير ، وكانت تستقبل ، عادة العربة الثانية ، من ناحية آخر القطار ، وهي تعد أجمل الفتيات وأكثرهن تمتعا بالروح المعنوية عالية .

مرور الوقت :
ساعة ونصف بالقطار ، كل يوم جيئة وذهاب ، ولابد أن المسافة بالغة الطول بالنسبة لها إلى حد أن الشاب المرتع بالنشاط حل به السأم والقلق ، وفضلا عن ذلك  في الشتاء !.. ويتعين عليها أن تغادر الدار بينما الظلام لايزال مرخيا ستائره ، وتعود إليها بعد أن يحل الظلام أيضا ، وقد وصل القطار إلى سوروجا في الساعة الخامسة والدقيقة الثامنة عشرة .

ولكن بالنسبة لي كانت هذه الساعة والنصف ساعة وقتا بالغ القصر ، كان وقت بالغ القصر لمراقبتها ، على نحو خفي من دون التطلع إليها ، وهي تثرثر وتخرج كتابا مدرسيا من حقيبتها ، وتقوم بالنسج باستخدام الإبر الطويلة أو تداعب صديقاتها الجالسات في المقاعد الأخرى ، ولدى الوصول إلى جوتنبا ، لا يبقى من الوقت ما يزيد على ثلث الساعة .

مراقبة واستماع :
وشأنها ، مضيت أرقب الطالبات ، وهن يسرن على الرصيف ، الذي أنهال عليه المطر ، إلى أن احتجبن عن الأنظار ، ولما كان هذا الشهر هو ديسمبر ، فإن الأضواء كانت تتألق ندية في الغسق ، وعلى الجبال البعيدة طفت ألسنة لهب حريق غابة مترعة بالحيوية والتوهج … وبجدية ، لا تناسب الحيوية التي أبدتها حتى الآن ، شرعت الفتاة تحادث صديقة لها همسا ، فهي ستنتهي دراستها الثانوية في مارس المقبل ، وستلتحق بكلية الطالبات في طوكيو ، وقد كان جليا أن هذا هو ماراحتا تتحدثان عنه .

أردت رؤيتك قبل ذهابي :
وصلنا إلى سوروجا من الآن فصاعدا لن تكون هناك طالبة واحدة في القطار ، اندفعت قطرات المطر نحو النافذة التي ألصقت بها وجهي ، وأنا أراقبها تمضي مبتعدة … أوه ، يا آنسة ! ألم تكن هناك فتاة أخرى مضت تعدو إليها عندما ترجلت من القطار وعانقتها ؟ أوه .. لقد انتظرتك ، كان يمكن أن أمضي بقطار الثانية ، لكنني أردت رؤيتك قبل ذهابي .

فتاة المصنع واللقاء :
تحت المظلة ، وفي غمار تناسيهما للمطر، تماست وجنتاهما تقريبا ، وراحتا تتجاذبان أطراف الحديث مسرعتين وبمزيد من الانشغال ، أطلق القطار صفيره ، فسارعت الفتاة الأخرى إلى ركوبه ، وأطلت برأسها من النافذة ، عندما أذهب إلى طوكيو يمكننا أن نلقتي ، أرجو أن تحضري إلى القسم الداخلي بكليتي ، ليس ذلك بمقدوري … أو ، ولما لا ؟

ارتسمت أمارات الحزن ومشاعر الوداع على وجهيهما معا ، لابد أن الفتاة الثانية كانت عاملة في مصنع النسيج ، وهاهي تغادر الشركة ، وتمضي إلى طوكيو لكنها انتظرت ثلاث ساعات تقريبا للقاء هذه الطالبة، دعينا نتقابل في المدينة إذن ، نعم .. إلى اللقاء ، إلى اللقاء غرقت كتفا فتاة المصنع بتأثير المطر ، وربما كان الشيء نفسه قد حدث لكتفي الطالبة .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby