قصص عالمية

قصة تجميل | قصص

ADVERTISEMENT

تواجه نافذة حمامي مرحاض قاعة ياناكا الجنائزية ، والفراغ الضيق القائم بين المبنيين ، هو المكان الذي تتخلص فيه القاعة من نفاياتها ، حيث يلقون بعيدًا بباقات الزهور الجنائزية .

نبذة عن المؤلف :
هو الأديب الياباني ياسوناري كاواباتا ، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1968م ، ولد في أوساكا باليابان في 14 يونيو عام 1899م ، بداية كتاباته أثناء دراسته الجامعية في جامعة طوكيو الإمبراطورية ، ففيها نشر قصته القصيرة الأولى مشهد من جلسة أرواح ، وتوفي كواباتا في 16 ابريل عام 1972م .

القاعة والزهور :
كان ضجيج الحشرات الخريفية قد ارتفع عاليا في المقبرة التابعة للقاعة الجنائزية ، على الرغم من أن مسيرة الخريف لم تتجاوز بعد منتصف سبتمبر ، وضعت يدي على كتف زوجتي ومضيت بها وبأختها الأصغر سنا عبر الدهليز لأريها شيئًا ، كان الليل قد حل ، بينما كنت أفتح باب الحمام في نهاية القاعة ، فعمت أنفي رائحة زهور الأقحوان .

سنين على زهور الأقحوان :
دهشت زوجتي وأختها ، وانحنتا باتجاه النافذة فوق حوض الغسيل ، كانت النافذة تبدو مزدهرة بزهور الأقحوان البيضاء ، انتصبت عشرون باقة بصورة متتابعة ، كجزء مما تخلف عن إحدى الجنازات ، وبينما مدت زوجتي يدها كأنما لتأخذ زهرة ، مضت تتساءل بصوت عال ، كم من السنين مضت منذ رأت كل هذا العدد من زهور الأقحوان دفعة واحدة .

زهور وطيور الكناري :
أضاءت النور فتألق ورق تغليف الباقات الفضي ، وبينما عكفت على العمل في تلك الليلة ، كانت رائحة زهور الأقحوان تفعم أنفي في كل مرة أمضي إلى الحمام ، وأحسست بإعياء العمل طوال الليل يتبدد في عبق الزهور … وفي نهاية المطاف ، وفي ضوء النهار ، بدت الزهور البيضاء أشد بياضًا وشرع الورق الفضي في التوهج ، وبينما كنت عاكفا على عملي ، لاحظت طائر كناري ، جاثما فوق الزهور ، وربما كان طائرا تم إطلاقه في حفل الأمس الجنائزي ، استبد به الإعياء ، ونسي أمر إعادته إلى متجر الطيور .

بداية مارس :
وعلى الرغم من أن هذا المشهد كان جميلًا ، إلا أنني كنت مضطرًا كذلك إلى التطلع من نافذة حمامي إلى الزهور الجنائزية ، في أيام أخرى وهي تتحلل ، الآن .. وأنا أكتب هذه السطور في بداية مارس ، فقد شاهدت باقة من زهور الجريس والورود الحمراء على امتداد أربعة أيام أو خمسة ، وأنا أتساءل عن النحو الذي ستتبدل به الألوان بينما الباقة تذوي .

تجميل :
أتمنى لو أن هذه الزهور كانت فوق نباتات حية ! وأنا مجبر كذلك على النظر إلى الناس في نافذة مرحاض القاعة الجنائزية ، هناك الكثير من الشابات ، ويبدو أن عددًا محددًا من الرجال يمضي إلى المرحاض ، وكلما طال مكوث النساء المتقدمات في العمر في المرحاض ، قل شبههن النساء ، ومعظم الفتيات يقضين هناك لحظة ، ثم يضعن لمسات التجميل على وجوههن .

طوال العام :
وعندما أرى هامة النسوة في ثياب الحداد ، وهن يتجملن في المرحاض ،ويستخدمن أصابع أحمر الشفاه قاتمة اللون ، فإن الرعدة تأخذني ، وأتراجع كأنني رأيت الشفتين الدمويتين لشخص لعق جثة ! يبدو عليهن جميعًا الهدوء واستجماع شتات النفس ، وتفصح أجسامهن عن الشعور بالخطيئة .

كأنهن يقترفن فعلة شريرة خلال اختبائهن ، لا أريد مشاهدة مثل هذا التحميل الفظيع ، ولكن النافذتين تواجه احدهما الأخرى طوال العام ، وهكذا فإن مثل هذه الحوادث المثيرة للاشمئزاز ليست من الأمور نادرة الوقوع على الإطلاق ، وأنا أسارع على الدوام بالنظر بعيدًا .

الشمطاوات :
وأحدث نفسي بأنني ربما أبعث برسائل للنساء اللواتي يرقن لي .. ، أبلغن فيها بأن عليهن ألا يمضين إلى مرحاض قاعة يانكا الجنائزية ، حتى لو أقبلن لشهود الجنازة ، وذلك لإبعادهن عن هذه الشمطاوات .

دموع في المرحاض :
على أي حال ، لقد رأيت ذات يوم فتاة في السابعة عشرة ، أو الثامنة عشرة من عمرها في نافذة المرحاض ، وهي تمسح دموعها بمنديل أبيض ، وعلى الرغم من أنها مسحت عينيها مرارًا وتكرارًا ، إلا أن الدموع واصلت التدفق ، ارتجفت كتفاها وهي تنخرط في البكاء ، وفي نهاية المطاف ، عندما أطبق الحزن قبضته عليها ، انحنت قبالة الجدار ، واستسلمت لدموعها من دون قدرة على تجفيف وجنتيها .

ابتسامة محيرة :
كانت الوحيدة التي لم تحضر إلى هذا المكان لتختبئ وتضع لمسات التجميل ، وإنما من المؤكد أنها جاءت لتحتجب عن العيان ، ولتنخرط في البكاء .. اكتسحت هذه الفتاة بعيد المشاعر السيئة نحو النساء التي نمت في أعماقي ، من جراء النظر عبر تلك النافذة ، ولكن عندئذ ومن دون توقع ، أخرجت الفتاة مرآة صغيرة ، وارتسمت على شفتيها ابتسامة سريعة ، وغادرت المرحاض مسرعة ، فاستبدت بي الدهشة وشعرت بأن أحدهم ألقى على ماء باردًا ، وكدت أهتف بها مناديًا .. كانت تلك ابتسامة محيرة .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby