قصص بوليسية

قصة التفكير السحري | قصص

ADVERTISEMENT

في ذلك الصباح كنت أنا وزميلي أحمد ذو الفقار ، دكتور العلوم السياسية في جامعة عين شمس ، نجلس سويًا ونحاول وضع تصور معين لما يجري في مصر ، ولأني أحب الجلسات العلمية العملية جدًا، كنت منغمسًا للغاية في أفكاري الشاردة ، والمتوجسة بعض الشيء .

طبيب نفسي :
لم أكد أكمل تصوراتي الأخيرة حتى فاجأني العقيد بدر السيوفي مقتحمًا مكتبي ، ونظر لي تلك النظرة الطويلة ، التي تعني الكثير والمثير جدًا ، ولم أكن أحتاج لكم كبير من الذكاء لأعلم سر تلك الزيارة المفاجئة من رجل شرطة، وضحت عليه علامات التأمل والازدراء أيضًا ، فأنا أعلم جيدًا أن السيوفي لا يؤمن بأطباء علم النفس ، ويرى أنهم نصابون ليس أكثر ، ولا ألومه فأنا أعلم جيدًا أنه هو بشخصه وتكوينه يحتاج إلى طبيب نفسي ، وربما هو أيضًا يعرف ذلك ربما .

الجريمة :
في الطريق كان يحاول بهدوء أن يشرح لي المهمة والتفاصيل أعلم أنها ليست كل التفاصيل ، بل ما سمح له كبرياؤه أن يحكيه ، فيا له من شعور بالغصة ! عندما يشعر ضابط شرطة أنه أمام طريق مسدود ، في فك لغز جريمة ما ، وعليه أن يحتاج لأحد النصابين أمثالي لحل هذا اللغز ، أمر بالتأكيد يدفعك بشدة للغثيان ، وقفت أراجع التفاصيل بهدوء ، في مكان يعج برجال الأمن ورجال المباحث الجنائية وغيرهم ، نعم كان الهدوء أمرًا صعبًا بل كان مستحيلًا .

مكان الجريمة :
توقفت للحظات من بعيد أراقب المكان ، شقة صغيرة جدًا مكونة من غرفتين ، السقف قريب قريب جدًا ، بحيث تشعر بأنه سيسقط ، ويقضي على الجميع نعم ! أنت في انتظار كارثة طبيعية ستفيد ضد مقاول العمارة الذي سيفوز بالبراءة ، بكل تأكيد دون أن يتعكر صفو ضميره ، أستطيع تخيل ما حدث قبل أن يأتي رجال الشرطة ليقوموا بمهمتهم ، أعلم جيدًا أن مهتهم الوحيدة هي القضاء على كل خيط يقودنا إلى مرتكب الجريمة .

يقودنا إلى الخلاص ، وننتهي من كل هذا السخف البشري ، لنذهب إلى منازلنا ونتناول الطعام في هدوء ، متصورين أن كل ما حدث كان مجرد كابوس ولماذا نتصور إذا يمكن أن ننساه كليًا .

الجثة :
اقترب مني الضابط في هذه اللحظات ، وهو يوجه لي نظرة مفادها أن قد حان دورك أيها المتحذلق المدعي للعلم ، ابتسمت ابتسامة واثقة لا تعني شيئًا ، سوى الثقة والتحدي فأنا لا أعلم شيئًا عن هذه القضية ، سوى أن الفتاة وجدوها هكذا منذ ساعتين ! كما قال أهل البيت الذي يتكون من أب وأم وثلاثة أبناء ، شاب وفتاتين وجميعهم في مراحل جامعية متفرقة .

أداة ارتكاب الجريمة :
اقتربت من الجثة المغطاة بملاءة بيضاء ، كشفتها ونظرت إليها طويلًا ، يبدو أن الإصابة غائرة للغاية ، غائرة حد الموت ، آلة حادة لا تقل عن سكين ، ذلك السكين الكبير الذي لا أعلم لم يستخدمونه في المنازل ، فتلك العائلة لا يوجد بينها بالتأكيد جزار ، لا أحد منهم يوحي بذلك ، ومن قال إن القاتل بين صفوف العائلة ، ومن قال إنه يمكن إنكار ذلك بشكل قاطع ، فالقاتل يعلم جيدًا أين يضرب وكيف يضرب .

لن تعرف قاتلها :
يعلم جيدًا كيف يقترب بهدوء كاتمًا أنفاسه ، لقد درس الشخصية جيدًا إنه يعلم أن تلك المنطقة بقليل من القوة التي تقودها سكين ، سوف تقطع تيار الحياة عن التدفق ، نعم لن تئن الضحية ، لن تصدر صوتًا، سوف تموت في هدوء وبالتأكيد لن تعرف قاتلها .

عائلة مسالمة :
فعند النظر إلى الأب المنهار والأم التي كلما استفاقت عادت إلى عالم اللاوعي مرة أخرى مغشيًا عليها ، والأخت التي تم نقلها على الفور إلى المستشفى لأن حالتها النفسية سيئة للغاية ، والأخ المصاب بالذهول في أخر الردهة الواسعة التي نقف بها ، لا يدل سوى على شيء واحد إنها عائلة مسالمة ، حدث لها حادث سيظل رمزًا تاريخيًا في تاريخهم الخالي من أية قيمة تذكر .

الجاني من أهل البيت :
لا يوجد أي أثر لأي اقتحام لم يدخل أحد ، الجميع كانوا نائمين ، يبدو أنها قتلت مع الساعات الأولى من الصباح ، فما زالت الجثة دافئة ، الجاني من أهل البيت ، هكذا خرجت الكلمات بصعوبة من بدر السيوفي ، الذي كان ينتظر أن ألتفت له ، ولكنني لم آبه ومن قال ، يا بدر إنني لا أعلم ما تقول ، أنتظر من قال إن الجميع كانوا نائمين ، إذن كيف تم اكتشاف الجثة .

الأب :
اتجهت إلى الأب المنهار وبهدوء بدأت أتحدث إليه ، رجل مكتنز واسع العينين أصلع ذو بشرة بيضاء، لا يبدو عليه الذكاء كثيرًا، يبدو أنه موظف ، موظف يطرق أبواب التقاعد ، يا له من مسكين ولكني لا أهتم كثيرًا بتلك العواطف ، بصراحة مريرة ، أنا لا أؤمن بالمشاعر التي تصاحب جريمة قتل من أي نوع ، إلا عندما يتم اكتشاف القاتل فإن التماسيح تبكي ، ولكن من قال إن التماسيح لا تملك مشاعر .

بعد ثوانِ من المحادثة تأكد لي شيء واحد ، وخصوصًا عندما قال: جميع أبنائي محترمون جدًا ، والكل يشهد بذلك ، فمن منهم يستطيع أن يتجرأ ويدخل في علاقة تنتهي بجريمة قتل ، لكنت قتلته بكل تأكيد .

عنت لي جملته شيئًا واحدًا، أن هذا الرجل لا يسمح بالأخطاء ، ولكني لم أدخله أبدًا دائرة الشك ، كنت أتصور أنه يملك بعض الذكاء ، ناهيك عن ظروفه بفقدان ابنته دعاء التي تبلغ 19 ربيعًا ، ولكنني لم أر سوى أب مصري خالص الطباع .

الأم :
توقفت من الأم التي كانت تشرب الليمون في هذه اللحظات ، وبإيماءة بسيطة جلست بجوارها على الأريكة العتيقة الطراز ، كانت الصدمة مسيطرة عليها إلى أقصى حد ، سألتها بهدوء عن أشياء قليلة عن أبنائها وأجابتني شاردة .

هل حدث مرة وأن شعرت حين رؤيتك للوحة طبيب معلقة على أحد المباني بأنك مصابة بالمرض ، الذي يتخصص فيه هذا الطبيب !.. كانت مندهشة للغاية من سؤالي ! وكأني ذكرت لها أدق تفاصيل ليلتها الأولى في عالم الزوجية البائس ، ثم قالت بذهول : كيف عرفت ذلك ؟ ولكن بعد زواجي بسنوات قليلة لم أعد أعاني هذا الأمر .

حرب طوال الليل :
ابتسمت في هدوء ثم قلت لها : ألم تشعري يومًا بأنك في حاجة ماسة وملحة للاطمئنان على أطفالك في أسرتهم ؟ لكونك تخيلت أنك دون قصد آذيتهم في فراشهم ؟ حينما قمت بوداعهم قبل النوم ، ولكنه القلق الخبيث والأفكار الخبيثة التي جعلتك في حرب طوال الليل .

عرفت القاتل :
نعم حدث لي ذلك كثيرًا ولكن أيضًا كنت آخر مرة منذ سنوات ، كان بدر السيوفي في هذه اللحظات يشبه الأباجورة ، التي انكفأت فيما بيني وبين السيدة ، ثم أوقفني حين نهضت من مكاني ، وقال بهدوء وبشكل سريع : ما معنى هذه الأسئلة ، هل تعني أن تلك السيدة مريضة ، وقامت بقتل ابنتها دون أن تشعر ، ومن قال هنا إنها مريضة ، لقد كانت مريضة بالفعل ، ولكنها شفيت ، لا أفهمك قالها وهز رأسه ممتعضًا ، ستفهم كل شئ فلقد عرفت القاتل ولكن دعني أتأكد ، عرفت القاتل ، الأمر لا يحتاج إلى ذكاء .

الابن الوحيد للأسرة :
كنت ألمحه من وقت لآخر كان يقف في هدوء ، ورغم مقاومته للقلق الزائد إلا أنه كان يظهر عليه كل شيء ، كنت أراه من داخله يئن بلا صوت ، يقاوم بلا سلاح ، يستغيث بلا مجيب ، اقتربت منه وقد أشعلت لفافة تبغ ، تلك العادة السيئة والوحيدة التي أمارسها بدلًا من الرياضة ، فأنا لا أحتاج إلى الالتحاق بنادي الصيد لكي أدخن ، الأمر سهل للغاية ، اقتربت من الابن الوحيد للأسرة المنكوبة .

ماهية الجاني :
طبطبت عليه فانكمش على نفسه ولكنه نفر مني ، وسرعان ما قال: من أنت أحد الضباط  ؟ لقد قتلوا أختي ؟ لا تخف سنقبض عليهم ، نظرت له طويلًا كانت عيناه زائغة ما بيني وبين الجثة الملقاة على الأرض المنتظرة ، تنتظر الرحيل والمعرفة ، تنتظر الرحيل للأبد ، تنتظر معرفة ، معرفة ماهية الجاني ، وهل تستطيع الجثث أن تعرف لا أعلم .

طبيب محترف :
ربما ، كان القلق يتطاير من عينيه ، والهلع أيضًا فأنا مقدر جدًا لحالته فقدان أخت بطريقة الذبح الطبي الشرعي ، الذي يستخدمونه في المذابح ، من ذبح يعلم جيدًا كيف يذبح إنه قطعًا طبيب محترف ، أنت تدرس الطب ، أليس كذلك ؟!  بلى في السنة النهائية ، قالها في ارتياب ودهشة ، وما هو تخصصك ، سأتخصص في الجراحة العامة ، تخصص رائع ولكنه دموي بعض الشيء  ، طبيعة عملنا ، أتفهم ذلك بكل تأكيد ، كم مرة مارست الجنس معها ؟ ماذا تقوووووول .

عينا مجنون :
أقول لك يا أيمن كم مرة مارست الجنس مع أختك ، أنت مجنوووووون ،هل تستطيع أن تفسر لي الجرح على يدك اليمنى ، فمن استخدم السكين يملك يدًا يمنى قوية ، لا تخطئ ، يد طبيب لا ترتعش ، يد طبيب تعلم جيدًا موضع الذبح ، وتعلم أيضا كيف يقوم بالأمر بدم بارد ، نظر إلى يده في هدوء ، ولم يجد شيئًا ثم قال مرتعدًا وهو يبتعد عني بعينين لامعتين ، وكأنهما عينا مجنون : أنا لم أفعل شيئًا بها ، ولم أمارس الجنس ولكنه الشيطان ، وانهار تمامًا .

الوسواس القهري :
تجمع حوله رجال الشرطة وعلى رأسهم بدر السيوفي الذي كان يرمقني بتعجب ! ثم جاء خلفي وقال : ما الأمر! لا تؤذوه فإنه مريض للغاية ، مارس الجنس مع أخته فخاف الأمر فقتلها ، من قال هنا إنه مارس الجنس معها .. أنت من قلت ، لقد تصور ذلك في عقله الباطن فقط ، فخاف على نفسه وعليها ودون شعور قتلها ، لا أفهم ، هل تسمع عن الوسواس القهري ، نظر لي تلك النظرة المتبلدة والتي تشير بعدم الفهم فقلت في هدوء : الوسواس القهري هو نوع من أنواع الأمراض النفسية الخطيرة .

التفكير السحري :
ويصاب به الإنسان ما قبل السنة السابعة ، وهو مرض وراثي يصاب الإنسان فيه بالاضطراب ، ويخلق شيئًا ظريفًا بعض الشيء للمصابين به ، ولكن في بعض الحالات هو ليس ظريفًا على الإطلاق كما ترى ، فهناك ما يسمى بالتفكير السحري ، التفكير السحري هو الاستعداد لتصديق ما يخلقه عقل المريض ، هل تعني أنه خلق ما ذكرته له عن موضوع ممارسة الجنس مع أخته ، فخاف أن ينكشف أمره وأمرها فقام بقتلها ، أعتقد ذلك كما ترى ، يا له من غبي ولكن كيف اكتشفت الأمر !.

القاتل المسكين :
تقصد يا له من مسكين ، الأمر لم يكن معقدًا للغاية ، أولًا : الشقة صغيرة جدًا على هذه الأسرة ، وهو ما قد يعرض مرتكب الجريمة لرؤية أخواته أحيانًا عراة ، أو أشباه عراة أو في وضع غير لائق لا يتسم بالخصوصية بجانب أنه في ريعان الشباب .

وأنت تعلم جيدًا وساوس الشيطان ، وجموح الجنس الذي ينتشر كالفيروس في كل ذرة دم ، ومن هنا جاء تكوين الفكرة وزرعها في اللاوعي ، ومن ثم تصديقها على أنها أمر حدث بكل تأكيد ، كما قلت لك إنه التفكير السحري ، بالإضافة إلى أن القاتل المسكين في كلية الطب .

المرض الوراثي :
والجرح الذي أصيبت به الجثة وأدى لقتلها لا يمكن أن يكون إلا من صنع طبيب أو جزار،  ولا يوجد جزار بالعائلة ، كما أنني تأكدت من خلال الأم أن هذا المرض وراثي ، ولكن لحسن الحظ أنها تخلصت منه مع الأيام ، ومع ضغوط الحياة التي لا تتوقف ، يبدو أن الأمر كذلك .

طريقتي السحرية لا تؤدي للقتل :
ولكن لم فكرت في ذلك بالتحديد ؟  الأمر لا يحتاج للتفكير بتحديد وغير تحديد ، إن مثل هذه الأمور يكتشفها عالم وطبيب نفسي مثلي بسهولة ، يستطيع أن يتعرف على مرضاه بمجرد النظر في أعينهم ، كما أن جريمة قتل كهذه يجب أن تدفعك لأن تفكر في الأمراض النفسية ، التي قد تنتهي بكارثة .

ولا أستطيع أن أستثني منها الوسواس القهري ، وبما أنك رجل شرطة فلقد أخبرتني منذ قليل أنه لم يحدث أي نوع من أنواع الاقتحام للشقة ، وبالتأكيد الفتاة لم تذبح نفسها ، انطلقت في طريقي أفكر بطريقة سحرية عن الأمور التي يجب أن أقوم بها في يومي ، الذي سينتهي بكل تأكيد بشيء من الملل ، لا تسئ الظن بي ، فإن طريقتي السحرية لا تؤدي للقتل .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby