قصص تاريخية

قصة البيمارستان النوري في دمشق

ADVERTISEMENT

البيمارستان كلمة تعني المستشفى ، وأصلها يعود إلى اللغة الفارسية حيث أنها تنقسم إلى جزئين وهما “بيمار” والتي تعني “مريض” ، و “ستان” التي تعني “دار” ، وتم جمعهما في هذه الكلمة لتكون بمعنى “دار المرضى” ، وقد كان البيمارستان النوري في دمشق واحدًا من أشهر البيمارستانات في الشام ، والذي أسسه السلطان نور الدين محمود زنكي .

قصة بناء البيمارستان النوري :
ذكرت المصادر التاريخية أن السلطان نور الدين محمود بن زنكي خاض حروبًا طويلة مع الصليبيين ، وقد تمكن في أحد حروبه من أسر أحد ملوكهم ، فقام بعرض الأمر على مجلس الأعيان ليستشيرهم في أمر هذا الملك الأسير ، فأشاروا عليه أن يقوم بإطلاق سراحه مقابل أن يدفع فدية مالية كبيرة من أجل بناء بيمارستان يساهم في علاج أي مصاب .

راقت الفكرة إلى السلطان نور الدين والذي أطلق سراح الملك الصليبي بالفعل بعد أن حصل على الفدية المطلوبة ، وقام بإحضار خيرة المهندسين وأفضل العمال العرب من أجل العمل على بناء البيمارستان ؛ والذي كان بمثابتة الفاتحة الرئيسية لأعمال السلطان نور الدين زنكي ، كما أصبح هذا البيمارستان من أعظم المنشآت التي حظيت بها دمشق في عهد نور الدين .

وقد تم بناء هذا البيمارستان على مرحلتين ، حيث أن المرحلة الأولى والتي تضم البناء الأساسي كانت في عهد السلطان العادل نور الدين في سنة 549هـ ، أما المرحلة الثانية فقد كانت حينما قام الطبيب بدر الدين ابن قاضي بعلبك بتوسيعه سنة 637هـ ، ولقد ظلّ القسم الرئيسي في هذا البيمارستان على وضعه  الأصلي حتى الوقت الحالي .

وتم بناء البيمارستان النوري على مساحة بلغت أكثر من عشرة آلاف متر مربع ، وقد أصبح واحدًا من المؤسسات الأثرية المتكاملة ، حيث أنه يعرض نموذجًا رائعًا لفن العمارة في الحضارة الإسلامية من حيث الزخارف البديعة والنقوش الفريدة والطراز المميز ، وقد تزينت جدرانه بلوحات رخامية مكتوب عليها آيات من القرآن الكريم ، وتم بناء هذا البيمارستان في وسط مدينة دمشق القديمة في الشارع المعروف في الوقت الحالي باسم “الحريقة” ؛ وهو على مسافة غير بعيدة من الجامع الأموي .

وقد ذكرت المصادر التاريخية أيضًا أن هذا البيمارستان النوري يماثل في هيئته القصور الملكية ، وذلك لما كان يقدمه من وسائل الترفيه والراحة ، كما كان يتم تقديم أنواع من الطعام فاخرة للمرضى الموجودين فيه ، وكان يقدم العلاج مجاني لكل من الفقراء والأغنياء على حد سواء ، ولم يكن العلاج مجانًا فقط بل زاد في الترفيه والراحة من خلال تقديم الملابس والنقود لهؤلاء المرضى حينما يخرجون من البيمارستان ؛ وذلك كي لا يضطرون للعمل لمدة أسبوعين لتكون مدة نقاهة دون عناء.

أقسام البيمارستان :
كان العمل في البيمارستان يسري بشكل منظم ، وقد تم تقسيم البيمارستان إلى قسمين أحدهما للرجال والآخر كان مخصص للنساء ، وكان كل قسم يحتوي على عدة قاعات لمختلف الأمراض ، كما كان هناك رئيس للأطباء يُطلق عليه اسم “ساعور” والذي كان يتولى إدارة الأمور الطبية والفنية ، وكان هناك كذلك ناظر يقوم بالإشراف على الإدارة ، وكان البيمارستان يحتوي على صيدلية تُعرف باسم “شرانجاناه” ؛ والتي كان يُشرف عليها رئيس يُطلق عليه لقب “شيخ شرانجاناه البيمارستان”.

وكانت هناك طريقتان للعلاج داخل البيمارستان وهما العلاج الداخلي والعلاج الخارجي ، وكان يتم ذلك تبعًا لتشخيص حالة المريض ؛ فهناك من المرضى من يحصل على العلاج ثم يذهب ليتناوله في بيته ، وهناك من كانت حالته الصحية تستدعي بقاءه في أحد أقسام البيمارستان ليتلقى علاجه هناك تحت رعاية الأطباء ، وقد استمر هذا البيمارستان في تقديم خدماته حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ، ليصبح أثرًا فريدًا ومميزًا في تاريخ الحضارة الإسلامية حيث أنه أصبح متحفًا للطب والعلوم عند العرب .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby