القران الكريم

تفسير الآية ” أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم “

ADVERTISEMENT

قال الله تعالى { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } [سورة الجاثية: 23]

تفسير القرطبي

القول في تأويل قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } اختلف أهل التأويل فقال بعضهم: أفرأيت من اتخذ دينه بهواه، فلا يهوى شيئا إلا ركبه، لأنه لا يؤمن بالله ولا يحرم ما حرم، ولا يحلل ما حلل، إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به. وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } قال: ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان. وعن قتادة قال: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ }  قال: لا يهوي شيئا إلا ركبه لا يخاف الله.

 وقال آخرون: بل معنى ذلك أفرأيت من اتخذ معبوده ما هويت عبادته نفسه من شيء وعن جعفر عن سعيد قال: كانت قريش تعبد العزى وهو حجر أبيض، حينا من الدهر فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأول وعبدوا الآخر ، فأنزل الله { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ }. وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول: أفرأيت يا محمد من اتخذ معبوده هواه، فيعبد ما هوي من شيء دون إله الحق الذي له الألوهة من كل شيء، لأن ذلك هو الظاهر من معناه دون غيره.

وقوله : { وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ } يقول تعالى ذكره: وخذله عن محجة الطريق، وسبيل الرشاد في سابق علمه على علم منه بأنه لا يهتدي، ولو جاءته كل آية، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: { وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ } يقول: أضله الله في سابق علمه.

 وقوله: { وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ } يقول تعالى ذكره : وطبع على سمعه أن يسمع مواعظ الله وآي كتابه فيعتبر بها ويتدبرها ويتفكر فيها، فيعقل ما فيها من النور والبيان والهدى. وقوله : { وَقَلْبِهِ } يقول: وطبع أيضًا على قلبه، فلا يعقل به شيئًا، ولا يعي به حقًا، وقوله : { وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } يقول: وجعل على بصره غشاوة أن يبصر به حجج الله ، فيستدل بها على وحدانيته، ويعلم بها أن لا إله غيره،

وقوله: { فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ } يقول تعالى ذكره: فمن يوفقه لإصابة الحق، وإبصار محجة الرشد بعد إضلال الله إياه { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } أيها الناس، فتعلموا أن من فعل الله به ما وصفنا، فلن يهتدي أبدا، ولن يجد لنفسه وليًا مرشدا.

تفسير ابن كثير

{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ }. أي إنما يأتمر بهواه، فمهما رآه حسناً فعله، ومهما رأه قبيحاً تركه، لا يهوى شيئاً إلا عبده، وقوله: { وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ } يحتمل قولين: أحدهما: وأضله اللّه لعلمه أنه يستحق ذلك، والآخر: وأضله اللّه بعد بلوغ العلم إليه وقيام الحجة عليه، والثاني يستلزم الأول ولا ينعكس، { وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } أي فلا يسمع ما ينفعه ولا يعي شيئاً يهتدي به، ولا يرى حجة يستضيء بها، ولهذا قال تعالى: { فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } ؟  كقوله تعالى: { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون َ} [الأعراف:186].

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby