بوح القصيد

تعريف النزعة العقلية في الشعر العربي وأنماطها بالأمثلة

ADVERTISEMENT

تعريف النزعة العقلية في الشعر

النزعة العقلية هي السمة المميزة للشعر في العصر العباسي،  فقد اشتهر العصر العباسي بازدهار العلوم والفنون فيه بشكل كبير حتى أنه سمي بالعصر الذهبي للإسلام.

ومثل باقي العلوم فقد تطور الشعر والأدب في العصر العباسي، وقد ساعد على ذلك ظهور مجموعة كبيرة من علوم اللغة والقرآن الكريم في العصر الأموي، وكان من الطبيعي بعد أن فهم المسلمون العلوم الشرعية فهمًا عميقًا، وفسروا القرآن الكريم، أن يستخدموا تلك التفسيرات لإنتاج علوم جديدة مبنية على التفكير المنطقي والتأمل.

على سبيل المثال بدأ العلماء في العصر العباسي يهتمون بعلوم الفلك اعتمادًا على ماورد في القرآن الكريم من ذكر للأرض والشمس والنجوم، وأيضًا فإنهم استخدموا المعلومات القديمة التي وردت إليهم من كتب العلماء الأوائل والتي تمت ترجمتها في العصر العباسي مثل كتب أفلاطون وأرسطو وإقليدس، وغيرهم.

وكان من الطبيعي أن تنعكس النهضة العلمية التي ميزت العصر العباسي على الشعر العربي وهذا أدى لظهور النزعة العقلية، حيث أصبح العلم يغلب على العاطفة في كتابة الشعر.

وقد كان الشعراء في العصر العباسي يسعون للتزود بالعلوم والنهل من كافة أنواع المعرفة، فلم يكتفوا بالشعر أو علوم اللغة وحدها، فكانوا يجدون في العلم لذة عقلية، وكانوا يحيلون ما يقرءوه ويتعلموه إلى شعرًا بديعًا.

كما تأثر الشعراء بحركة الترجمة من الفارسية والهندية واليونانية، وكان الشعراء حريصين دائمًا على لقاء العلماء ومحاورتهم والتعلم منهم.

وحتى أن بعض الشعراء في العصر العباسي قد ألفوا في علم المنطق حتى يشحذ ذهنه وأذهان الشعراء من حوله.

خصائص النزعة العقلية

من خصائص النزعة العقلية في الشعر:

  • كانت الأبيات تغلب عليها العقل أكثر من العاطفة.
  • تميز بدقة المعاني وكثرة التوليد والاستباط، وذكر الحقائق العلمية.
  • كانت معانيه أكثر عمقًا ونضجًا.
  • تأثر بالثقافات الهندية والفارسية واليونانية.
  • استخدام الفلسفة في الحوار واشتقاق آراء جديدة يدعمها العقل.
  • اهتم شعر النزعة العقلية بالمتلقي، حيث كانوا يحترمون عقله وذكاءه.

اهتم شعراء النزعة العقلية أيضًا بالشخصية العربية الإسلامية التي كانت تؤثر الصدق.

أنماط النزعة العقلية في الشعر العربي

التأثر بالثقافات الأخرى

 ومن أمثلة التأثر بالترجمة من الثقافات الأخرى، قول أبو نواس، عندما قام بهجاء زهير قائلًا:

  • قل لزهير إذا حدا وشدا أقلل وأكثر فإنك مهذار.
  • سخنت من شدة البرودة حتى صرت عندي كأنك النار.
  • لا يعجب السامعون من فتي كذلك الثلج بارد حار.

فبالرغم من أن هذا النص خالي من العاطفة بل هو عقل خالص، وفيه تأثر الشاعر بالثقافة الهندية التي تزعم أن الشيء الذي يبرد بشكل مفرط يعود حارًا مؤذيًا.

أيضًا يتضح تأثير الثقافة الفارسية في الشعر والشعراء خلال العصر العباسي بدرجة كبيرة حيث كان كثير من الشعراء في هذا العصر كانوا يتقنون اللغة الفهلوية.

التأثر بأدب بن المقفع

 كما أثر كتاب الأدب الكبير والأدب الصغير لابن المقفع في شعراء العصر العباسي، وهو الكتاب الذي أخذه بن المقفع من أقوال السابقين، واشتمل على مجموعة من الحكم والمواعظ، وكان أهمها إعمال العقل لأن الأدب لا يفهم بدون العقل.

ومن بين الحكم التي ذكرها بن المقفع في مقدمة كتابه الأدب الصغير:

“أما بعد فإن لكل مخلوق حاجة، ولكل حاجة غاية، ولكل غاية سبيلًا، والله وقت للأمور أقدارها، وهيأ إلى الغايات سبلها، وسبب الحاجات ببلاغها، فغاية الناس وحاجاتهم صلاح والمعاد والسبيل إلى دركها وأمارة صحة العقل اختيار الأمور بالبصر وتنفيذ البصر بالعزم.

وللعقول سجيات وغرائز وبها تقبل الأدب وبالأدب تنمى العقول وتزكو، فكما أن الحبة المدفونة في الأرض لا تقدر أن تخلع يبسها وتظهر قوتها، وتطلع فوق الأرض بزهرتها وريعها ونضرتها ونمائها إلا بمعونة الماء الذي يغور إليها في مستودعها، فيذهب عنها اليبس والموت، ويحدث لها القوة بإذن الله القوة والحياة، فكذلك سليقة العقل مكنونة في مغرزها من القلب.

وفي نثر بن المقفع حث على استخدام العقل، وتأكيد على ذلك من خلال تكرار المعنى، واستخدام الأدلة العلمية مع التأكيد على قدرة الله عز وجل، فقد استخدم وصف علمي لتشبيه الأدب، ولم يكتفى بمجرد الوصف البليغ.

النزعة العقلية في شعر بشار بن برد

يقول بشار بن برد، في قصيدته:

  • شفاء العمى طول السؤال دوام العمى طول السكوت على الجهل.
  • فكن سائلًا عما عناك فإنما دعيت أخا عقلًا لتبحث بالعقل.

ففي تلك الأبيات السابقة يدعو الشاعر الناس لإعمال العقل.

النزعة العقلية في قصائد أبو تمام

شهد أبو تمام فتح عمورية والتي كانت مسقط رأس الإمبراطور الروماني، وكان ذلك في عهد الخليفة المعتصم، فكتب قصيدة يمجد فيها الخليفة، وقد سخر فيها من المنجمين الذين حذروا الخليفة من خوض تلك المعركة، ويقول أبو تمام في أبياته:

  • السيف أصدق أنباءً من الكتب، في حده الحد بين الجد واللعب.
  • بيض الصفائح لأسود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب.
  • والعلم في شهب الأرماح لامعة، بين الخميسين لا في السبعة الشهب.
  • أين الرواية، بل أين النجوم وما صاغوه من زخرف فيها ومن كذب.
  • تخرصًا وأحاديث ملفقة ليست بنبع إذا عدت ولا غرب.

بدأ أبو تمام القصيدة بحكمة يمجد فيها السيف ويسخر من المنجمين، حيث كان يقصد بالكتب التمائم.

وقد عقد مقارنة بين الرماح وأدوات القتال وبين التنجيم الذي لا قيمة له، وأكد أن علاقة المنجمين بأخبار الناس هي مجرد كذب.

وفي القصيدة تتضح النزعة العقلية في شعر أبو تمام، حيث أنكر علم التنجيم تمامًا.

النزعة العقلية في شعر بشر بن المعتمر

كان بشر بن المعتمر من المعتزلة، وقد كانت بيئة المعتزلة في العصر العباسي، من أكثر البيئات التي تأثرت بالفلسفة اليونانية، وظهر هذا في أشعار بشر بن المعتمر، عندما قال:

  • لله درالعقل من رائد، وصاحب في العسر واليسر.
  • وحاكم يقضي على غائب، قضية الشاهد للأمر.

وفي تلك الأبيات نجد أن بشر قد نظم القصائد التي تدخل في باب التاريخ الطبيعي، واستدل بالطبيعة على قدرة الخالق عز وجل.

النزعة العقلية في شعر أبو العتاهية

تأثر أبو العتاهية تأثرًا كبيرًا بالمراثي التي كتبها الفلاسفة اليونانيون في الإسكندر المقدوني عند وفاته، وقد نقل منها أطرافًا في مراثيه، ويظهر ذلك في شعره:

  • بكيتك يا علي بدمع عيني، فما أغنى البكاء عليك شيئًا
  • كفى حزنًا بدفنك ثم أني، نفضت تراب فرك عن يديا.
  • وكانت في حياتك لي عظات، وأنت اليوم أوعظ منك حيًا.

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby