قصة أفكار العقيد | قصص
من إبداع الكاتب هنري رينيه ألبيرغي دي موباسون ، تدور القصة حول العقيد لابورت ، قال العقيد لابورت ، الواقع أنني عجوز ، بالإضافة إلى إصابتي بالنقرس ، وساقاي متصلبتان ، ومع ذلك لو أن امرأة جميلة ، أمرتني أن أمر من ثقب إبرة ، أظن أنني سوف أقفز فيه كما يفعل المهرج في الطوق ، إننى عجوز من المدرسة القديمة ، الذي إذا مرت به امرأة جميلة ، سوف تحركه من رأسه إلى أخمص قدميه .
فرنسا :
ويستطرد العقيد لابورت في قوله مضيفًا ، أنه بالرغم من تشابههم جميعاً في فرنسا تحديدًا ، إلا أنهم يظلون فرسانً ، فرسان الحب والمصادقة ، لأنهم لم يقتلعوا من قلوبهم المرأة أبدًا ، فهم يحبونها ، ويفعلون من أجلها جميع صنوف الجنون ، فما دامت فرنسا على خريطة أوروبا ، حتى لو اختطفت فرنسا ، سوف يظل هناك فرنسيون .
مشاعر العقيد :
فهو حينما تقع عينيه بعين امرأة ، يملأ قلبه شعور ، أن بإمكانه فعل المستحيل ، ينتابه شعور أن باستطاعته أن يصارع أن يقاتل ، بل أن يحطم الأثاث لكي يظهر أنه الأقوى ، والأبسل والأخلص بين الرجال .
ولكنه ليس وحده ، فالعقيد لابورت يقسم أن الجيش الفرنسي بالكامل كذلك ، بدء من الجندي وحتى اللواء ، الكل يمضي قدمًا وحتى النهاية عندما يتعلق الأمر بامرأة ، امرأة جميلة ، ولنتذكر جان دارك وما جعلتهم يفعلوه في غابر الأيام .
اقتراحات العقيد :
يفترض العقيد لابورت أنه إذا تسلمت امرأة جميلة قيادة الجيش عشية سيدان ، عندما جرح المارشال ماكماهون لقاموا بعبر الخطوط البروسية ، فليس ما يلزم باريس رجلًا مثل تروشو ، بل ما يلزمها قديسة مثل جان دارك ، ويذكر العقيد حكاية صغيرة من الحرب تبرهن جيداً ، أن الفرنسيون قادرون على كل شيء ، أمام امرأة .
ذكريات العقيد :
يتذكر العقيد عندما كان حينئذ مجرد نقيب ، وكان آمراً لفوج من الاستطلاع ، يتراجع وسط بلد اجتاحه البروسيون ، وقتها كانو محاصرون ومطاردون ومتبلدون ، بالإضافة إلى موتهم من الإرهاق والجوع ، كان عليهم أن يبلغوا في اليوم التالي بارسو تران ، وإلا قطعوا وذبحوا ، وليس يدري كيف أفلتوا بالفعل ، كان عليهم أن يزحفوا أثناء الليل 12 ميلاً ، على الثلج وتحت التلج وبطونهم خاوية ، وفكر أن أمرهم انتهي ، ولم يصل إليها رجاله المساكين ، وظلوا يومين بدون طعام ، واختبؤا في مخزن للحبوب لكي يخففوا من البرد ، كانوا عاجزين عن النوم والحركة ، أو ينامون نومًا متقطعاً.
وفي الساعة الخامسة كان الوقت ليلاً ، ذلك الليل الثلجي الشاحب ، كان يحرك رجاله وقد عجز بعض منهم عن الوقوف ، فقد تصلبوا من شدة البرد والجوع ، وكان أمامهم السهل القاسي العالي الذي يملأه الثلج انهماراً .
وهو يقول لهم : سيروا يا رجال ، كانت نظراتهم له كأنها تقول كفانا ما لقينا ، فالموت هنا كالموت هناك ، وحين ذلك قام بإخراج مسدسه قائلًا : من يتراجع فسوف أصرعه ، فسار الجميع ببطء شديد ، فقام بإرسال أربعة منهم للاستطلاع ، على بعد 300 متر أمامهم ، ثم تبعهم الباقون بغير نظام ولا تمييز ، تبعًا للتعب وطول الخطى .
قام بوضع الجنود الأمتن بنية في الخلف ، مع الأمر بتسريع المتخلفين ، والبنادق على ظهورهم ، كان الثلج يغطيهم وكأنه يدفنهم أحياء ، فكان شكلهم مثل الأشباح ، وكأنهم الجنود الموتى ، كان متأكد في نفسه أنهم لم يخرجوا أحياء من ذلك المكان ، وكانوا يتوقفون دقائق بسبب الذين لا يستطيعون المتابعة ، كان بعض الرجال ينفضون الثلج عن أنفسهم ، والآخرون لم يتحركون ، وما أن أمر جنوده بمتابعة المسيرة حتى ارتفعت البنادق على الأكتاف واستأنف الجنود مشيهم بتعب .
المفاجأة :
وفجأة رأى رجال الاستطلاع قادمون ، وقد أقلقهم شيء ما ، سمعوا كلاماً أمامهم ، فبعث بستة من الرجال وعريفاً وانتظر ، ثم سمع صوت قد اختراق صوت الثلج ، صوت امرأة ، بل كان عبارة عن صوتين ، صوت شيخ وفتاة ، كانا يهربان من وجه البروسيين ، الذين احتلوا بيتهم في المساء ، والذين كانوا سكارى ، فخاف الأب على ابنته فهربا دون أن يعلما خدمهما .
الفتاة:
عرف على الفور أنهما برجوازيان ، بل أكثر من برجوازيان ، وقال لهما : سترافقاننا ،ثم أقلعوا من جديد ، وبما أن الشيخ كان يعرف المنطقة فقد كان دليلهم ، كف الثلج عن السقوط ، وظهرت النجوم ، كانت الفتاة الممسكة بذراع أبيها ، تسير بخطوات متقطعة ، خطوات الضيق ، وقد تمتمت عدة مرات قائلة : لم أعد أحس بقدمي .
وكان هو موجوع أكثر منها حين يرى فتاة جميلة مثلها تقاوم ، وتجر قدمها كذلك في الثلج ، وفجأة وقفت وقالت : أبي أنا متعبة ، لحد لا أستطيع معه أن أذهب أبعد من ذلك ، أراد الشيخ أن يحملها ، لكنه لم يستطيع ، فتهالكت على الأرض وهي تتأوه تأوهاً طويلًا .
فجأة قال أحد الجنود وهو باريسي ، ملقب بالعملي ، قال هيا يا رجال علينا أن نحمل ، الآنسة وإلا فلسنا بفرنسيين ، وقام أحدهم لاقتلاع جذوع من الشجر ، وقال : من يتبرع بمعطفه من أجل تلك الفتاة الجميلة يا أخوة .
فألقيت عشرة معاطف حول الجندي ، وفي غضون ثواني ، صنعت مثل نقالة ، ووضعت الفتاة في تلك المعاطف الدافئة وحملت على ستة أكتاف ، كان هو على رأسهم من الناحية اليمنى ، وكان مسروراً في الواقع .
الوصول للهدف :
استأنفوا السفر وكأنهم شربوا كأساً ، وأعادوا تنظيم صفوفهم ، وسمع نكاتا على طول الطريق تكفي امرأة لكهربة الجيش ، وكان الجنود يتبادلون حمل النقالة ، كل منهم ينتظر دوره حين يتخاذل أحدهم في الحمل ، وحتى الثالثة صباحاً ، سار الجنود دون توقف ، وبعزيمة ونشاط .
حتى تراجع المستطلعون فجأة ، فقد جاء من بعيد اثني عشر رجلًا من البروسيون ، ضالين طريقهم ، وما إن اقتربوا منهم على خيولهم حتى صاح قائلًا : نار ، فانطلقت نار ثلاثون بندقية ، مستهدفه البروسيون ، فأردتهم مقتولين بخيولهم ، وبعد أن هدأ دخان البارود ، وجدوا أن ثلاثة خيول قد تبقت ، وفروا مذعورين من ضمنهم واحد يجر في رجله فارساً مقتولًا .
وفجأة ظهر صوت خافت ناعم يتسائل : ما هذا ، هل هو قتال ؟ ، فرد عليها قائلًا : ليس شيئًا مهما يا آنسة ، ولكننا قضينا على اثني عشر بروسيا يا آنسة ، قالت : مساكين ! ، وبما أنها بردت فتوارت مرة أخرى تحت المعاطف ، ثم انطلقوا من جديد ، حتى ظهر في السماء خط شروق دافئ من بعيد .
وفجأة استوقفهم صوت بعيد يصيح قائلًا : من الآتي ، توقف الفوج وتقدم للتعارف ، لقد وصلوا إلى الخطوط الفرنسية ، وبينما كان الرجال يمرون أمام المركز ، فسألهم مقدمًا كان يجلس على أحد الخيول ، وهو يرى الجنود تمر بالنقالة ، قائلًا : ماذا تحملون في داخل النقالة ؟
وسرعان ما ظهر وجه أشقر صغير وباسم الثغر ، وأجاب : أنا يا سيدي ، حينئذ ، ضحك الجنود ، ودخل الفرح في قلوبهم ، ولوح الجندى الملقب بالعملي ، بقبعته وهو يقول : عاشت فرنسا ، وقد أحس بالتأثر الشديد ، لفرط ما وجد ذلك لطيفًا ، بدى له كأنه أنقذ البلاد ، وكأنهم فعلوا لم يفعله أى رجال جيش آخر حقًا ، ذلك الوجه الصغير لن ينساه أبدًا ، ثم صمت قليلًا وأردف قائلًا : سيان نحن الفرنسيين نحب النساء كثيراُ.