قصص بوليسية

قصة المجرم | قصص

ADVERTISEMENT

عدت من عملي متأخرًا ، اشتريت بعض الأغراض قبل أن أقترب من الحارة التي أسكن فيها ، تفاجئت بسيارة شرطة تسد مدخل الحارة ، انتشر حولها بعض العساكر ، لمنع الأهالي من التقدم خلف الحاجز الذي صنعه الجنود !.

انتظار :
وقف كثير من الأهالي يتطلعون بفضول وتساؤل ، حاولت المرور موضحًا لهم أني من قاطني الحارة ولكنهم منعوني بحزم ، وقالوا أن الأمر لن يستغرق سوى دقائق ، لم أجد مفرًا من الإندساس بين الواقفين ، تلك ليست أول مرة يحدث فيها هذا الموقف ، يتكرر كل فترة حين يأتون للقبض على شخص ما وعادة لا يستغرق الأمر وقتًا .

ضحية أم مجرم :
قتلني الفضول كما قتل القطة من قبل ، لمعرفة هدفهم هذه المرة خاصة أن معظم السكان لم يكونوا على علم بالضحية أو المجرم الذي يسعون خلفه ، والعساكر البسطاء لم يكن لديهم أدنى فكرة ، ولم نستطع أن نستخرج منهم أي معلومة ، حتى بعد أن منحناهم بعض السجائر وتقربنا منهم في الكلام .

تاجر مخدرات :
من المؤكد أنهم جاءوا للقبض على زاهر السياب ، فقد ورث عن أبيه تجارة المخدرات ولكنه لم يرث عنه حرصه أو ذكائه ، لم تستطع الشرطة القبض على أبيه يومًا رغم نشاطه المعروف الذي امتد لسنوات ، زاهر مغرور وجرئ أكثر من اللازم ، والده كان يعمل في الخفاء وبحرص أكبر على عكس أبيه يتباهى زاهر بنفوذه ، بعد أن بسط سيطرته على المنطقة .

دخل في صراعات كثيرة وأكتسب العديد من الأعداء ، بعضهم من ذوي النفوذ من المؤكد أن أحدهم وشى به !.. تمنيت أن يكون هو على الأقل تتخلص الحارة من إجرامه ونفوذ أتباعه ، ولكن صعب أن يكون هو رغم غروره وأخطائه الكثيرة ، لكنه ليس بتلك السذاجة ليخزن بضاعته في منزله أو دكانه في الحارة ، أعلم بالتأكيد أنه يحتفظ بها في مخازن بعيدة ، ويجيد تصريفها بعيدًا عن مكان إقامته ، وعن محل الأقمشة الكبير الذي يتخذه كستار له ، كما أنه مسافر منذ ثلاثة أيام .

تاجر المسروقات :
ازدادت حيرتي من يكون إذن ؟!.  سمعت اسم عادل يسري همسًا بين الناس ، هل جاءوا للقبض على عادل ، أعترف أني أحسست بقليل من الشماتة ، يمتلك عادل محل أجهزة كهربائية في نهاية الحارة ، بدأ طريقه الخاص بشراء الأجهزة المسروقة ثم إعادة بيعها ، بعدها أصبح يتاجر في كل شيء مسروق طبعًا .. ذهب ، ساعات ، هواتف نقالة ، أدوات زينة ، ذمته أصبحت تتسع لأي بضاعة مجهولة المصدر ، شهرته بدأت بالتعرف على عزمي أشهر هجام في المنطقة وأكثرهم خطورة ، يشترى منه كل ما تطوله يده في مغامراته الليلية ثم بدأ يوسع علاقاته .

تعرف على مزيد ممن اشتهروا بالقلوب الجريئة ، والأيدي الطويلة من النادر أن تجد لص منازل أو نشال في المنطقة لا يعرف عادل ، احتفظ بالمحل القديم كما هو دون تغيير درءًا للأنظار ، ولم يغادر الحارة ، بل قام بتوسعة بيته القديم وصرف عليه الكثير ، من دخل بيته يحكى عن فخامته من الداخل ، وأولاده نقلهم من المدرسة القريبة المتهالكة إلى أرقى المدارس الخاصة ، يحتفظ بأمواله كلها داخل بيته ولا يضعها بالبنك .

قليل من خيبة الأمل :
وقفت على أطراف أصابع قدمي وتوجهت ببصري نحو محله في آخر الحارة ، لاحظت أنه مفتوح ورأيت بعض العساكر متمركزون في وسط الحارة بعيدًا عنه ، من المستحيل أن يكون هو ، تأكدت ظنوني بعد أن ظهر بعد قليل ليقف أمام محله يستطلع الأمر ، سحب كرسيًا من الداخل وجلس أمام محله بهدوء ، هززت رأسي في أسف وشعرت بقليل من خيبة الأمل .

مسجل خطر:
عصرت ذهني بحثت كثيرًا في تاريخ حارتي الأسود ، استعرضت الأسماء فقفز إلى ذهني اسم منها ، أعلم أن لو تفتح عمل الشيطان ولكن لو كان هو لأقمت حفلًا في الحارة ، عزمي المجاهد بالتأكيد ، أعتقد أنى لست الوحيد الذي سيحتفل بالتخلص منه ، لم يجتمع أهل الحارة منذ نشأتها على شيء أكثر من إجماعهم على بُغض عزمي المجاهد وتمني الخلاص منه .

إجرامه فاق كل الحدود ، مسجل خطر دخل السجن عدة مرات ، ولكنه كان يخرج منه سريعًا ، آخر مرة دخل السجن لشهرين ظننا أننا تخلصنا منه ، ووزع بعض الأهالي الشربات ابتهاجا بالمناسبة ، من سوء حظنا أن الانتخابات كانت قريبة ، أخلوا سبيله قبلها بأيام ، نجح مرشح الحكومة الذي سانده بالطبع واختفى منافسه بعدها بفترة ، عزمي مجرم صعب أن تصنفه وهنا مكمن خطورته .

لو استطاع الاكتفاء بنشاط واحد ، ربما عشنا معه بسلام ، ولكنه متعدد المواهب حقًا ، هجام ، بلطجي ، نصاب ، موزع مخدرات ، قاتل ، موسوعة إجرام حية زاخرة تعيش وتتنفس بيننا .

موسوعة إجرام حيه :
بدأ حياته بالسطو على المنازل ، وعندما بدأت أعصابه تخذله بعد أن عرف طريق الإدمان بحث عن طريق أسهل ، وكان الخطف أشتى درجاته ، بدأ في استخدامه هو وأحد أعوانه في خطف حقائب السيدات ، وأحيانًا مصاغهم ثم تعلم حمل السلاح ، وبدأ الخروج ليلًا للبحث عن ضحية منكوبة ، وتهديدها لإفراغها من كل ثمين .

ثم يحمله إفراطه في المخدرات دفعه للمتاجرة بها أحيانًا ، ثم القيام بدور البلطجي لمصلحة من يدفع له أكثر ، ثم راقت له اللعبة ففرض إتاوة شهرية على كل أصحاب المحلات ثم أصحاب البيوت ، جمع عصابة من الضالين  مثله ، فلم يستطع أهل الحارة مواجهته فهو يستخدم أسلحته بخبرة جراح ماهر ، من يعارضه يحمل تذكارًا خالدًا في وجهه أو جسمه حتى لا ينساه.

ولا بأس من وقت لآخر بجريمة قتل ، حتى يذكر الناس بسطوته ، دعوت المولى أن يكون هو حقًا ، من المؤكد أن كل هذه القوة جاءت للقبض عليه احتياطا لخطورته .

استرحت لهذا الخاطر للحظات حتى تفاجئت بعزمي نفسه يقف ورائي ، لو تطلع إليّ للحظة لرأى آثار الدهشة بوضوح على وجهي ، لم يفعل ولحسن حظى إندس بين الواقفين ببساطة يسأل عن الخبر!.. شلت رؤية عزمي تفكيري للحظات .

من المجرم :
عدت لاستعراض الصور ومراجعة الاحتمالات بحيرة أكبر ، هل جاءوا للقبض على أمين صاحب المخبز الوحيد في الحارة الذي يقوم بتهريب الدقيق ، المدعم تحت أعين الجميع لبيعه في السوق السوداء ، أم محسن الميكانيكي هو الهدف بعد أن اشتكاه أحد زبائنه ؟ كلنا نعرف مهارته في سرقة قطع الغيار الأصلية للسيارات التي يقوم بإصلاحها واستبدالها بأخرى تجارية رخيصة .

هل الدور على زيزي الراقصة بعد أن فاحت رائحة زبائن آخر الليل لديها ، ربما عباس صاحب القهوة الذي يغلق أبوابها من الداخل ليلًا لتتحول إلى غرزه لتدخين الحشيش .

لحظات ثقيلة :
أحسست بدوار وبدأت يدى تؤلمني من حمل الأغراض التي اشتريتها لفترة طويلة ، اللعنة أعياني التفكير ، لماذا أشغل نفسي كثيرًا بمعرفة الاسم ، إن يد العدالة ستطول أحد اليوم على كل حال ، وستتخلص الحارة من أحد الضالين قاطنيها ، وهذا هو ما يهمني ، صحيح أني صدمت لعدم القبض على عزمي ولكن لكل كلب يومه ، وربما استرحنا ممن هو أخطر منه .

لحظات صمت مرت ثقيلة على الجميع قبل أن نرى حركة في الشارع ، أعتدل العساكر المرابطون في وسط الحارة ، هبط بعض الجنود من أحد البيوت هناك اثنان منهم يمسكون شخص ما بأحكام لم نتعرف على ملامحه من الأجساد التي كانت تعيق رؤيتنا ، ولكنهم كانوا يمسكونه بشكل يوحى بمدى خطورته ، بعدها بثوان هبط شخص ثان وثالث بنفس الطريقة ، قبضوا على ثلاثة أذن تمنيت أن يقبضوا على مجرم واحد فقبضوا على ثلاثة دفعة واحدة .

هناك خطأ ما :
ابتهجت اقتربوا منا بعد عدة أمتار ، وبان ملامح المقبوض عليه بوضوح فتحولت نظرات التساؤل إلى دهشة ! ثم سريعًا إلى استنكار!!  وسط العساكر كان يمشي محمود بانكسار ، من المؤكد أن هناك خطأ ما ، محمود ابن الحاج حسين موظف الكهرباء ، الكل يشهد بأخلاقه وسمعته الطيبة ، أحد القلائل الذين يسكنون الحارة ، ويتمتعون باحترام وثقة الجميع ، موظف بسيط في الحكومة ، أحسن تربية أولاده وعلمهم رغم متاعب الحياة ، لا نذكره إلا بالخير ، هو وأسرته البسيطة .

محمود الموهوب :
محمود يدرس في كلية الحقوق ، شاب ملتزم كما نعرفه ، لم يقدم يومًا على فعل خاطئ أو ارتكاب حماقة ، نعلم أنه موهوب  ، ويكتب مقالات أحيانًا في بعض الصحف الصغيرة ، لمحنا الحاج حسين يخرج من المنزل خلف ابنه ، ويمنع الجنود من الوصول إليه ، ثم والدته تلحق بزوجها خارج البيت ، رغم مرضها وهي تبكي ابنها الوحيد ، وبسرعة حشروهم في مؤخرة السيارة وشق العساكر طريقًا بين الناس يسمح بمرور السيارة .

حكمة خالدة :
لم نعلم إلا لاحقًا بعدها بأيام أنه متهم بالإخلال بالأمن العام ، هو وزملائه وشارك في مظاهرة داخل الجامعة وكتب كلامًا جارحًا في أحد مقالاته ، هكذا قال لنا محاميه ، ولكن لم يخبرنا لمن كان الكلام جارحًا ؟

انتهزوا فرصة وجوده في منزله هو واثنان من أصدقائه المشاركين في المظاهرات ، للقبض عليهم بعد أن أبلغ عنهم أحد المخبرين المتواجدين بصفة دائمة في الحارة أشعر بمرارة كلما تذكرت هذا المشهد يومها سيارة الشرطة تشق طريقها بسرعة بين الناس ، عزمي الهجام يقف خلف سيارة الشرطة المنطلقة بقوة يقلب كفيه في تعجب !  يتطلع إلى محمود المنزوي في ركن منها هو وزملائه ، يعلق بتأثر صائحًا بحكمته الخالدة : صحيح الحرام عمره ما يدوم .

شاهد أيضاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Instaraby